قال لي أنه يتصفح عناوين الأخبار ليعرف ما يحصل على الأرض في المجتمع. وكان يعني كل كلمة قالها، بل ومارس تصفح العناوين أمامي وحاول أن ينقل إليّ مختارات من العناوين بالغة الإثارة في محاولة لفتح حوار معي. حاولت أن أشرح له أنني لا أهتم بما يقال في الأخبار، وأن معرفة ما يحصل في مكان ما لا تتحقق بقراءة عناوين الأخبار، فالعناوين تكتب لتثير وتغرس أفكارا محددة في عقول من لا يقرؤون إلا العناوين. لم يطل حوارنا، فنحن نعيش في عالمين مختلفين رغم أنه كان يجلس بجانبي خلال سفرتنا القصيرة.
العالم الآخر نمط حياة مختلف يناسب بعض الناس ولا يناسب البعض الآخر. وكما يشعر سكان العالم الجديد بالراحة في عالمهم، أنا أشعر بالراحة في العالم الآخر. ورغم أنني منفتح للحوار مع أي شخص وأنشر كتاباتي لجميع زوار موقعي، فأنا لا أحب محاورة سكان العالم الجديد. في كل حوار مع أحد سكان العالم الجديد أجد نفسي مضطرا لسلوكين لا أحبهما، ولكنني أمارسهما لعلني أصل إلى نتيجة في الحوار.
أنا أولا أحاول تخفيف حدة نقدي للإعلام حتى لا يشعر محاوري أنني أهين معلوماته عندما أنقد مصادرها، ولذلك فأنا لا أشرّح خبرا محددا يسوقه محاوري، بل أنتقد الإعلام كمهنة وأشرح أساسياتها وطريقة عملها وأبدي رأيي الشخصي فيها. قد يكون تشريح خبر واحد أسهل بكثير من خوض نقاش عمومي، ولكن من خبرتي السابقة أصبحت أعتقد أن من ينقلون المواد الإعلامية يدمجون أفكارهم وشخصيتهم مع الإعلام الذي ينقلونه. ولذلك فانتقاد مادة إعلامية سمعها المحاور منذ دقائق ونقلها لك بلغته قد يفهم على أنه انتقاد شخصي وينقل المحاور إلى وضع الدفاع. أما انتقاد مهنة الإعلام من أساسها فقد يؤدي إلى اتفاق على خطر الإعلام وعدم أهميته في معرفة الواقع.
وثانيا بعد كل حوار من هذا النوع أجد نفسي مضطرا لمحاولة نسيان المواد الإعلامية التي يعرضني لها محاوري، وما أصعب أن تنسى أو تنقض ما تعلمته للتو، خصوصا إذا كان مادة إعلامية مثيرة للعواطف ومستفزة لأقصى درجة. أحيانا يستغرق الأمر عدة أيام، وأحيانا لا أستطيع نسيان ما نقله محاوري، فيبقى عالقا في ذاكرتي ومرتبطا بالمحاور، بحيث أن تذكر أي منهما يذكرني بالآخر.
نحن ننسى بشكل لا إرادي، ولكن هل نستطيع أن ننسى بشكل إرادي؟ إذا لمحنا عنوانا مثيرا أو صورة مؤثرة ثم اكتشفنا أن المادة الإعلامية مفبركة ومناقضة للواقع، فهل يمكننا أن ننسى أو ننقض تأثير ما تعرضنا له؟ أنا أعاني كثيرا عندما أقرر أن أنقض تأثير مادة إعلامية مفبركة تعرضت لها بالصدفة، ولذلك فأنا أتعاطف مع من يتعرضون للقصف الإعلامي بشكل مستمر، وأتفهم مشاعرهم المتناقضة عندما أنقل لهم أفكارا من نوعية أساطير الربيع العربي أو سلسلة الأوتبوريين أو كتاباتي عن إعلام الأزمة.
أنا لا أجد التعلم صعبا، بالعكس أنا أتعلم بسهولة ولا أواجه أية مشكلة في اكتساب معرفة جديدة، ورغم ذلك أعاني عندما أقرر نقض بعض المعرفة التي أقرر التخلص منها. وأنا أعتقد أن بعض الناس يعانون صعوبة في التعلم، وربما لذلك السبب يجدون سهولة كبيرة في نقض أية معرفة غير مرغوبة.
أنا لا أستطيع أن أنقض بعض المواد الوثائقية، ولكن الكثيرين يستسهلون نقض نفس المواد، وبالنسبة لهم فهي غير صحيحة لأنها لا تتوافق مع نظرتهم للواقع. تلك النظرة التي تشكلت عبر متابعة الأخبار أو تصفح العناوين على الشبكات الاجتماعية.
هل حاولتم نسيان أو نقض ما تعلمتموه؟ هل تعرفون تجربة ناجحة في نقض التعلم؟ حدثوني عن خبراتكم وتجاربكم في مجال نقض التعلم.
الأيهم صالح
إضافة تعليق جديد