ديمقراطية المافيا العربية

تعني الديمقراطية خضوع الأقلية لقرار الأكثرية الذي يتخذ وفق نظام معترف به من قبل الأكثرية. وفي النظم الديمقراطية لا خوف على الحرية لأن الديمقراطية بحد ذاتها نتيجة للحرية وحامية لها.

لو أن أيا من الحكومات العربية ديمقراطية فعلا، وفق تعريف العالم للديمقراطية، لكانت أول من يرعى الحرية، لأنها ستكون مصدر شرعيتها. ولكن حكوماتنا تجاهر بالقول أنها تطبق صيغتها الخاصة من الديمقراطية، وليس الصيغة العالمية. في هذه الصيغة الخاصة يمنع منعا باتا توجيه النقد للحكومة بدون موافقة الحكومة نفسها على عملية النقد وموضوعه. بمعنى أنك لست حرا في الاختلاف مع الحكومة إلا بموافقة الحكومة، ولا يحق لك التعبير عن رأيك المختلف وفق القانون الديمقراطي الذي تعترف به هذه الحكومة. هذا القانون الديمقراطي الذي تسنه الحكومة وترعاه يستطيع أن يحاسبك، والقضاة سيحكمون وفق القانون الذي يحاسبهم إن لم يطبقوه. ولذلك عليك أن تخضع للديمقراطية ولا تخالفها أبدا.

الحكومات الديمقراطية في العالم لا تمانع أبدا في الاختلاف مع الآخرين، وتتحمل مسؤولية قراراتها، أما في مجتمعاتنا العربية، فالحكومات تمنع الاختلاف معها، وتزج بعض الناس في السجن إرهابا لغيرهم، لكي تحول المجتمع كله إلى سجن أكبر.

هذه الحكومات ليست ديمقراطية أبدا وفق التعريف العالمي، وسلوكها لا يختلف أبدا عن سلوك عصابات المافيا التي تفرض قانون الصمت "الموت لمن يفتح فمه". وطريقة إدارة الحكومات العربية لبلدانها لا تختلف كثيرا عن طريقة إدارة عصابات المافيا للمناطق التي تسيطر عليها. من الأمور المشتركة مثلا:
- رعاية الفساد وتشجيعه.
- محاربة المبادئ والقيم النبيلة، واستبدالها بقيم مستمدة من تراث المافيا مثل الغدر والتجسس والخيانة.
- محاربة الشعور الوطني واستبدال الانتماء للوطن بالانتماء للعصابة أو زعيمها.
- ممارسة الإرهاب بحق الأفراد كنوع من الإرهاب بحق المجتمع كله.
- الضرب بدون تمييز عند ملاحظة أية محاولة خروج عن الطاعة.
- إفساد التعليم، وطرد الأذكياء والمتعلمين أو تفشيلهم حتى يكونوا عبرة للأخرين.
- إفساد البيئة، مثلا تسبيب مشاكل التلوث والتصحر، وعدم إنشاء المرافق الخدمية الضرورية.
- نشر البطالة، وتفليس الأعمال القائمة لزيادة الضغط على المجتمع.
- فرض التجنيد الإلزامي في صفوفها على كل من يخضع لحكمها.
- فرض الانتماء الإجباري إليها على كل من يخضع لحكمها.
- جباية الأتاوات (الضرائب) من الناس بشكل انتقائي، وبدون أن يسمح لأي شخص بالاحتجاج.
- التركيز الإعلامي على أهمية وإنجازات العصابة (الحكومة) في المجتمع، وأنها سبب عدم انهياره.
- الترويج لفكرة أن المقاومة غير مجدية، وأن أحسن مستقبل ممكن هو في الخضوع للعصابة (الحكومة) والانصياع لأوامرها (قانونها).

 

تعتمد جميع المحاولات التي تقوم بها المجتمعات العربية للتقارب مع حكوماتها على خطأ أساسي، خطأ في مرحلة المسلمات، وهو افتراض أن الحكومة ديمقراطية وفق تعريف العالم، في حين أن الحكومة ديمقراطية وفق تعريفها هي، وهي أقرب إلى عصابة مافيا وفق تعريف العالم. ولذلك لم تجد نفعا كل محاولات التقارب بين المجتمعات والحكومات العربية، ولن تجدي نفعا طالما لم تعترف المجتمعات بأن التعامل مع مافيا غير التعامل مع حكومة ديمقراطية، وشتان بين الحالتين.

المافيا مثلا لا وطن لها، والأرض بمن عليها مجرد منطقة نفوذ يمكن أن تتوسع أو تتقلص، وهي ورقة إضافية يمكن أن ترمى على طاولة المفاوضات عند الحاجة. الإقطاع البدائي أكثر احتراما للأرض والشعب من المافيا.

تنفق المافيا أموالها على أمور محددة، مثل البذخ، والتسلح، وشراء الضمائر. وتعتبر أن من الأفضل عدم تطوير البنية التحتية للوطن، وأن التعليم عدوها الأكبر، أما البطالة، فهي السلاح الذي تستخدمه لإجبار المجتمع على الانتماء إليها.

والمافيا كذلك لا تتورع عن التشنيع بالأفراد لأي سبب، أو بدون سبب لمجرد الإرهاب. وقد شهدت البلاد العربية حالات متعددة تم فيها اضطهاد أفراد بدون سبب يذكر، وكأن المافيا الحاكمة تستخدم مثل هذه النشاطات الإرهابية لتوجيه رسائل للشعب، من نمط:

- مهما كنت لامعا أو موهوبا أو معروفا، يمكننا أن نجرجرك إلى المحاكم بتهم سخيفة، ونحاكمك علنا، ونزجك في السجن.
- إذا حاولت أن تعبر عن أفكارك خارج إطار السلطة، فنحن لك بالمرصاد.
- لن تفيدك حقوق الإنسان والمنظمات والعرائض والاعتصامات، لن يفيدك أي أحد أو أي شيء حين تعلق بين أيدينا.
- الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل هذه الميزات نحن نمنحها للناس الذين نرضى عنهم.
- القانون أداة قمع إضافية في يد الدولة، وهو سلاح مشهر في وجهك أيها المجتمع، وعليك أن تقبّله باحترام وخشوع كلما نحرك أو جرحك وأسال دمك.

لقد مثل العراق الصدامي نموذجا لمصادرة الحريات باسم الديمقراطية، وللأسف لم يكن االنموذج الوحيد، فهناك أمثلة مشابهة في دول عربية أخرى اعتقلت وحاكمت وحكمت بالسجن أفرادا بتهمة إعطاء تصريح أو كتابة مقالة أو إرسال رسالة بريد الكتروني أو محاولة حضور محاضرة لم تتم أصلا.

للأسف، مازالت المعارضة الداخلية في الدول العربية قاصرة عن إدراك حقيقة حكوماتها، ورغم كل التجارب المأساوية التي تعرضت لها، مازالت تصر على أن لا ترى الحقيقة، وتتصرف بمنطق الأمل الزائف في أن تكون أجهزة الإعلام أصدق تعبيرا عن الواقع من التجارب الواقعية.

أيها الإخوة في الدول العربية. راجعوا سلوك حكوماتكم، وحاولوا أن تعرفوا هل هي أقرب إلى المافيا، أم إلى الديمقراطية.

الأيهم صالح
www.alayham.com

التعليقات

bccline

الاستاذ العزيز الايهم : اتفق معك تماما في توصيف المافيا العرباوية ما عدا تعريفك للديمقراطية الذي اظنه تعريف قديم طواه الزمن وناقص ...عندما تعرفها بانها خضوع الاقلية لقرار الاكثرية ..؟؟ http://www.souriana.com/modules/news/article.php?storyid=1389 نتحدث قريبا ...؟؟

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.