يحاول الكثيرون في سوريا، وأنا واحد منهم، أن يعملوا لما يعتقدون أن فيه خيرا للوطن. ويستند كل منا على نظرته الخاصة لواقع سورية ومستقبلها. وخلال عملنا لتحقيق الهدف المشترك قد نتفق أحيانا، ونختلف أحيانا، ولكننا لا ننكر أبدا أننا جميعا نعمل لصالح هدف مشترك وسام بالنسبة لنا كلنا.
بعضنا يرى أن سورية سائرة في طريق الإصلاح، ويعتقدون أن الحكومة تقود خطة إصلاح، ويقتضي الواجب الوطني عليهم أن يشاركوا في هذه الفرصة التاريخية للمساهمة في بناء نهضة بلدنا. ويستندون إلى خطب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء، والخطاب الإعلامي العام الذي تقوده وسائل الإعلام الوطنية. ويستشهدون بإنجازات "يعتقدون أنها" تحققت خلال السنوات الماضية.
وبعضنا ينظر نظرة مختلفة، فلا يصدق أن الحكومة تقود خطة إصلاح، ويرون أن الحكومة لا تفعل أي شيء مهم في طريق الإصلاح، لأنهم أصلا لا يثقون بالحكومة وتوجهاتها، ويسوقون أمثلة متعددة على خطط الحكومة الإصلاحية وطريقة تعاملها مع الإصلاحيين، ومن أهم هذه الأمثلة زج اثنين من نواب دمشق الإصلاحيين وبعض المثقفين وأستاذ الاقتصاد الدكتور عارف دليلة في السجن، والمحاولة الفاشلة لسجن الدكتور عصام الزعيم، وزير التخطيط ثم الصناعة الأسبق، بوصفه أحد أهم الإصلاحيين في الحكومات السورية السابقة.
وهناك تقييمات أخرى لواقع سورية، منها تقييمي الشخصي، والذي لا يشاركني فيه الكثيرون بل يعتبرونه متشائما جدا، وهو أن سياسة الحكومة المعلنة "التطوير على قاعدة الاستمرار" تعني التطوير على قاعدة استمرار الفساد ونهب ثروات الوطن ومصادرة الحريات وفرض الأحكام العرفية وزج الناس في السجون وتغذية التناقضات في المجتمع وخوض الحروب الإعلامية الدونكيشوتية.
مهما كانت نظرتنا لواقع سورية ومستقبلها القريب، ومهما كانت الخلافات في وجهات النظر بيننا وبين الآخرين كائنا من كانوا، لا بد أن نتذكر أننا جميعا نعمل لهدف مشترك، وأن هدفنا المشترك هو نقطة الاتفاق الأولى بيننا. ولذلك علينا أن نركز على هذا الهدف المشترك دون أن نحيد عنه، وأن نسأل نفسنا وبعضنا عن الفائدة التي يقدمها عملنا لتحقيق هدفنا المشترك.
تعني هذه النظرة أن تقييمنا لأي تفاعل مشترك بيننا يجب أن يستند على موضوع التفاعل نفسه، سواء كان التفاعل نقاشا أو تعاونا أو حتى اختلافا، بغض النظر عن خلفيتنا ونظرتنا للواقع واختلافنا أو اتفاقنا على الأمور الأخرى. وبتعبير آخر، إذا أمكننا أن نحقق فائدة ما لبلدنا عبر تعاون بسيط في مجال ما، يجب أن لا ننظر لأي شيء آخر سواء اتفقنا أو اختلفنا عليه، بل نركز على تحقيق ما يمكن أن نحققه سوية.
وبتطبيق هذه النظرة، ننتقل من الوجود في خنادق مواجهة مع الآخرين إلى الوجود في ورشة عمل ضخمة معهم، وشتان بين الحالتين. في الحالة الأولى يسود عدم الثقة والتركيز على نقاط الاختلاف، ويبدو أن العلاقة كلها أزمة والمخرج الوحيد منها هو البقاء على قيد الحياة وإزالة الخطر الذي يكونه الآخر، بينما يسود التعاون في الحالة الثانية ويركز كل طرف على الحصول على أكبر قدر من النتائج يمكن الحصول عليه من الوجود مع الآخر في نفس الورشة.
وخلال تجربتي واجهت حالات لم أنجح فيها في نقل الآخر من الخندق إلى الورشة، وفي أغلب الأحيان كنت أواجه نظرة ديكتاتورية من نمط "إذا لم تكن معي وتحت قيادتي فأنت عدوي، وفي أحسن الأحوال أنت مجرد خائن آخر مصيرك السجن أو الإعدام". للأسف لم أتمكن من إيجاد صيغة تعاون في أغلب الحالات التي واجهتني فيها هذه النظرة، لأنني كنت أجد نفسي مضطرا للدفاع عن نفسي ووطنيتي بدلا من التركيز على ما يمكن أن أحققه مع الطرف الآخر، وبالنتيجة اعتدت أن أتجنب وضع نفسي في هذا الموقف.
واتضح لي من خلال تجربتي أن الخيانة لا توجد إلا في قاموس الديكتاتورية، وهي تهمة توجه عادة لكل شخص ينظر نظرة مختلفة عن الآخر، مثلا يمكن أن توجه التهمة لكل من يبحث عن إيجابيات الاحتلال الأمريكي للعراق، أو عن النتائج السلبية للانتفاضة الدموية في فلسطين، أو يحاول أن يتفهم موقف الكونغرس الأمريكي من الحكومة السورية. الأشخاص الموضوعيون الذين يهمهم ما يمكن أن يحققوه لا يفكرون أبدا بالخيانة، فهي مصطلح غير موجود لديهم، بل يفكرون بما يمكن فعله مع كل شخص لتحقيق أي هدف مشترك.
قد أختلف مع الكثيرين حول تقييم ديمقراطية الحكومة السورية، ولكنني متأكد أن الديمقراطية والديكتاتوية موجودتان في المجتمع، وأنهما تطبقان على نطاق واسع في مجالات كثيرة في مجتمعنا ومن قبل أشخاص كثيرين، بغض النظر عن موافقة الحكومة أو عدم موافقتها. وأعتقد أيضا أن انتشار الديمقراطية المتزايد في المجتمع، واتساع فكرة قبول الآخر والتعاون معه، قد أغضبت العديد من الجهات الديكتاتورية، مثل الأصوليات الدينية والعقائدية المختلفة، وبعض القوى المؤثرة في السلطة، فبدأت حربا غير معلنة تستهدف تقويض أسس التعاون والحوار في المجتمع. وربما كانت محاكمات حلب المتتالية (محاكمة الـ 14، طلاب الجامعة، عبد الرزاق عيد وبكر صدقي) والاعتقالات المتتالية في اللاذقية (أكثم نعيسة، فائق المير، فاتح جاموس) مجرد مناوشات أولية لبدء المعركة الحقيقية بين ديكتاتوريات المجتمع، والديمقراطية التي أخذت بالانتشار فيه.
وفي هذا الوضع لا يمكنني إلا أن أتضامن مع كل المؤمنين بالديمقراطية والحرية والتعاون في سورية، وأعتبر أنني معهم في نفس ورشة العمل لبناء مستقبل بلدنا. ويسعدني أن أشد على أياديهم وأقول لهم شكرا لجهودكم.
الأيهم صالح
www.alayham.com
بعضنا يرى أن سورية سائرة في طريق الإصلاح، ويعتقدون أن الحكومة تقود خطة إصلاح، ويقتضي الواجب الوطني عليهم أن يشاركوا في هذه الفرصة التاريخية للمساهمة في بناء نهضة بلدنا. ويستندون إلى خطب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء، والخطاب الإعلامي العام الذي تقوده وسائل الإعلام الوطنية. ويستشهدون بإنجازات "يعتقدون أنها" تحققت خلال السنوات الماضية.
وبعضنا ينظر نظرة مختلفة، فلا يصدق أن الحكومة تقود خطة إصلاح، ويرون أن الحكومة لا تفعل أي شيء مهم في طريق الإصلاح، لأنهم أصلا لا يثقون بالحكومة وتوجهاتها، ويسوقون أمثلة متعددة على خطط الحكومة الإصلاحية وطريقة تعاملها مع الإصلاحيين، ومن أهم هذه الأمثلة زج اثنين من نواب دمشق الإصلاحيين وبعض المثقفين وأستاذ الاقتصاد الدكتور عارف دليلة في السجن، والمحاولة الفاشلة لسجن الدكتور عصام الزعيم، وزير التخطيط ثم الصناعة الأسبق، بوصفه أحد أهم الإصلاحيين في الحكومات السورية السابقة.
وهناك تقييمات أخرى لواقع سورية، منها تقييمي الشخصي، والذي لا يشاركني فيه الكثيرون بل يعتبرونه متشائما جدا، وهو أن سياسة الحكومة المعلنة "التطوير على قاعدة الاستمرار" تعني التطوير على قاعدة استمرار الفساد ونهب ثروات الوطن ومصادرة الحريات وفرض الأحكام العرفية وزج الناس في السجون وتغذية التناقضات في المجتمع وخوض الحروب الإعلامية الدونكيشوتية.
مهما كانت نظرتنا لواقع سورية ومستقبلها القريب، ومهما كانت الخلافات في وجهات النظر بيننا وبين الآخرين كائنا من كانوا، لا بد أن نتذكر أننا جميعا نعمل لهدف مشترك، وأن هدفنا المشترك هو نقطة الاتفاق الأولى بيننا. ولذلك علينا أن نركز على هذا الهدف المشترك دون أن نحيد عنه، وأن نسأل نفسنا وبعضنا عن الفائدة التي يقدمها عملنا لتحقيق هدفنا المشترك.
تعني هذه النظرة أن تقييمنا لأي تفاعل مشترك بيننا يجب أن يستند على موضوع التفاعل نفسه، سواء كان التفاعل نقاشا أو تعاونا أو حتى اختلافا، بغض النظر عن خلفيتنا ونظرتنا للواقع واختلافنا أو اتفاقنا على الأمور الأخرى. وبتعبير آخر، إذا أمكننا أن نحقق فائدة ما لبلدنا عبر تعاون بسيط في مجال ما، يجب أن لا ننظر لأي شيء آخر سواء اتفقنا أو اختلفنا عليه، بل نركز على تحقيق ما يمكن أن نحققه سوية.
وبتطبيق هذه النظرة، ننتقل من الوجود في خنادق مواجهة مع الآخرين إلى الوجود في ورشة عمل ضخمة معهم، وشتان بين الحالتين. في الحالة الأولى يسود عدم الثقة والتركيز على نقاط الاختلاف، ويبدو أن العلاقة كلها أزمة والمخرج الوحيد منها هو البقاء على قيد الحياة وإزالة الخطر الذي يكونه الآخر، بينما يسود التعاون في الحالة الثانية ويركز كل طرف على الحصول على أكبر قدر من النتائج يمكن الحصول عليه من الوجود مع الآخر في نفس الورشة.
هل يمكن تطبيق هذه النظرة في الواقع، في المجتمع؟ أنا أعتقد أن تطبيقها جار في عدد كبير من الأماكن، ويمكنني أن أعدد عددا كبيرا من الأمثلة على أشخاص اختاروا التعاون لتحقيق هدف مشترك بغض النظر على الخلافات الكثيرة "وبعضها عقائدي" بينهم.
وخلال تجربتي واجهت حالات لم أنجح فيها في نقل الآخر من الخندق إلى الورشة، وفي أغلب الأحيان كنت أواجه نظرة ديكتاتورية من نمط "إذا لم تكن معي وتحت قيادتي فأنت عدوي، وفي أحسن الأحوال أنت مجرد خائن آخر مصيرك السجن أو الإعدام". للأسف لم أتمكن من إيجاد صيغة تعاون في أغلب الحالات التي واجهتني فيها هذه النظرة، لأنني كنت أجد نفسي مضطرا للدفاع عن نفسي ووطنيتي بدلا من التركيز على ما يمكن أن أحققه مع الطرف الآخر، وبالنتيجة اعتدت أن أتجنب وضع نفسي في هذا الموقف.
واتضح لي من خلال تجربتي أن الخيانة لا توجد إلا في قاموس الديكتاتورية، وهي تهمة توجه عادة لكل شخص ينظر نظرة مختلفة عن الآخر، مثلا يمكن أن توجه التهمة لكل من يبحث عن إيجابيات الاحتلال الأمريكي للعراق، أو عن النتائج السلبية للانتفاضة الدموية في فلسطين، أو يحاول أن يتفهم موقف الكونغرس الأمريكي من الحكومة السورية. الأشخاص الموضوعيون الذين يهمهم ما يمكن أن يحققوه لا يفكرون أبدا بالخيانة، فهي مصطلح غير موجود لديهم، بل يفكرون بما يمكن فعله مع كل شخص لتحقيق أي هدف مشترك.
قد أختلف مع الكثيرين حول تقييم ديمقراطية الحكومة السورية، ولكنني متأكد أن الديمقراطية والديكتاتوية موجودتان في المجتمع، وأنهما تطبقان على نطاق واسع في مجالات كثيرة في مجتمعنا ومن قبل أشخاص كثيرين، بغض النظر عن موافقة الحكومة أو عدم موافقتها. وأعتقد أيضا أن انتشار الديمقراطية المتزايد في المجتمع، واتساع فكرة قبول الآخر والتعاون معه، قد أغضبت العديد من الجهات الديكتاتورية، مثل الأصوليات الدينية والعقائدية المختلفة، وبعض القوى المؤثرة في السلطة، فبدأت حربا غير معلنة تستهدف تقويض أسس التعاون والحوار في المجتمع. وربما كانت محاكمات حلب المتتالية (محاكمة الـ 14، طلاب الجامعة، عبد الرزاق عيد وبكر صدقي) والاعتقالات المتتالية في اللاذقية (أكثم نعيسة، فائق المير، فاتح جاموس) مجرد مناوشات أولية لبدء المعركة الحقيقية بين ديكتاتوريات المجتمع، والديمقراطية التي أخذت بالانتشار فيه.
وفي هذا الوضع لا يمكنني إلا أن أتضامن مع كل المؤمنين بالديمقراطية والحرية والتعاون في سورية، وأعتبر أنني معهم في نفس ورشة العمل لبناء مستقبل بلدنا. ويسعدني أن أشد على أياديهم وأقول لهم شكرا لجهودكم.
الأيهم صالح
www.alayham.com
إضافة تعليق جديد