حوار معك 4

الأيهم صالح
الوصف

هل ضايقك انتقادي للنظام السياسي الذي تفضله في حواراتنا السابقة؟ مثلا، هل يزعجك انتقادي للديمقراطية وسلطة الأغلبية؟ هل يزعجك انتقادي لسلطة الشرعية الإلهية أو القبلية أو العسكرية؟ هل يزعجك انتقادي لحكم زعيمك أو قائدك أو شيخك أو ولي أمرك؟ العديد ممن ردوا علي أبدوا انزعاجهم من هذه النقطة، وسألوا، حسنا ما هو بديلك؟ ما النظام الذي تريد تطبيقه على العالم؟

أنا لا أريد أن أطبق أي نظام عليك، وأنا أصلا أستغرب أن يرد البعض على انتقادي لكل أنواع السلطات في العالم بسؤالي عن السلطة التي أفضلها! لماذا يجب أن يوجد نظام يريد بعض الناس تطبيقه على العالم؟ هل تعتقد أنت أن السلطة ضرورة حتمية لحياتك؟ ألا تستطيع الحياة بدون سلطة تسيطر على مفاصل حياتك وتحدد لك متى يمكن أن تخرج من منزلك، ومتى يمكن أن تزور شخصا آخر، وكيف يسمح لك بالتنفس؟ ألا تستطيع الحياة بدون سلطة تحدد لك بأي قدم تدخل إلى المسجد، وكيف تغتسل لتصبح صلاتك مقبولة؟ ألا تستطيع الحياة بدون سلطة تحدد لك كيف تتزوج، وما هي حقوقك وواجباتك الزوجية؟ ألا تستطيع الحياة بدون سلطة تحدد لك حقوقك وواجباتك بشكل عام، وما يتطلبه الحصول على ترخيص لممارسة حقك الطبيعي؟

أنا لا أريد أن أفرض سلطة من نوع خاص على أحد لأنني أرى كل أنواع السلطة متشابهة، جميع أنواع السلطات في العالم تعتدي على البشر وحقوقهم الطبيعية والأساسية. كل أنواع السلطة في العالم حاليا تعتدي على البشر بنفس الطريقة، وتحت نفس الشعار، وبالتزامن مع بعضها. هل ترى أنت أي فرق بين أنواع السلطة من حيث اعتدائها على البشر؟ هل ترى سلطة ما لا تعتدي على البشر بحجة حمايتهم؟ هل شهد العالم في تاريخه سلطة لا تعتدي على أحد؟

أنا لا أريد أن أفرض عليك أية سلطة، فماذا عنك؟ هل تريد أن تفرض أنت على نفسك وعلى الآخرين نوع السلطة الذي تفضله؟ ما الذي تستفيده من وجود سلطة تنتزع منك حقوقك بالتدريج، وتعتدي عليك ببعض قوانينها وعلى جيرانك بقوانين أخرى، وعلى أشخاص آخرين بقوانين ثالثة؟ لماذا تعتقد أن من الضروري وجود سلطة في حياتك؟ هل جربت الحياة بدون سلطة تعتدي عليك؟ هل جربت التعامل مع السلطة التي تعتدي عليك كمعتد وليس كشيء مقدس لا تستطيع الحياة بدونه؟ أغلب من أعرفهم لم يفكروا أبدا بهذا الشكل، وتزعجهم حتى محاولة التفكير بهذا الموضوع. أغلب من أعرفهم يبررون حاجتهم للسلطة بتبريرات من نوع "هذا ما ألفينا عليه آباءنا". فهل تبرر أنت وجود السلطة بهذا الشكل؟ هل تعتقد أنه إذا كان والدك وأجدادك قد خضعوا لسلطة ما، فمن الواجب عليك أن تخضع لسلطة ما؟ هل تعتقد أنه إذا كان ملايين البشر يخضعون لسلطة ما، فمن واجبك أنت الخضوع لسلطة ما؟ هل تعتقد أنه إذا كان من تشاهدهم في نشرات الأخبار يتغنون بنوع السلطة الذي يمثلونه وينطقون باسمه، فهذا يعني أن هذه السلطة هي ما تحتاج أنت أن تخضع له؟ ما الفرق بين خضوعك الطوعي للسلطة لأنك ولدت وعشت حياتك تحتها، وبين خضوع عبد لسادته لأنه ولد وعاش حياته عبدا؟

بعض أنصار السلطة، بكل أشكالها، يتحدثون عن عقد اجتماعي بينهم وبين السلطة التي تحكمهم، فهل ترى العلاقة بينك وبين سلطتك كعقد؟ هل أنت شخصيا طرف في هذا العقد؟ ومن هم الأطراف الأخرى؟ هل قرأت العقد ووقعت عليه بكامل قواك العقلية؟ وهل وقع جميع المتعاقدين؟ هل يمكنك إنهاء العقد أم أنه مفروض عليك من بداية حياتك إلى نهايتها؟ هل وقعت على العقد أم ورثته عن والديك، وهل سيوقعه أولادك أم أنهم سيرثون خضوعهم للسلطة منك؟

أنا لا أعرف عقدا من هذا النوع أبدا، ولا أعرف أية حالة جاء فيها ممثل السلطة إلى شاب وقال له: بمناسبة بلوغك السن المناسب أرغب أن أتفاوض معك على شروط عقد خضوعك للسلطة التي أمثلها. بالمقابل أعرف حالات لما يسمى دستورا يتم التصويت عليه، وبالتالي تفرضه أغلبية على أقلية وتتوارث الأجيال هذا الفرض. هل تعتقد أن ما يفرض فرضا عليك مهما كان رأيك هو عقد اجتماعي أم عدوان اجتماعي؟ هل يحق لشخص ما أن يفرض عليك بالتصويت ما لا يحق له أن يفرضه عليك بشكل شخصي؟ أليس فرض الأمور على الآخرين رغما عنهم اعتداءا من قبل فئة على فئة أخرى، ألا ترى أن من حق من يتعرض للاعتداء أن يقاومه.

إذا كنت تعتقد أن هناك عقدا بينك وبين السلطة التي تحكمك؟ فهل تعتقد أن هذا العقد يخول السلطة الاعتداء عليك؟ هل ينص العقد بينك وبين السلطة أن من حق السلطة انتزاع حقوقك بالتدريج، والزامك بالحصول على ترخيص لممارسة ما كنت تمارسه بكل حرية في السابق؟ هل ينص العقد على التزامك بالخضوع التام لأوامر السلطة؟ وعلى خسارة حقك في مقاومة أي اعتداء عليك من قبل السلطة أو منفذيها؟ هل تعتقد أن السلطة التي تعاقدت معها تلتزم بكل شروط العقد؟ هل تستطيع أن تجد حالات تتجاوز فيها السلطة شروط العقد؟ أغلب من أعرفهم يعتقدون أن السلطة التي تحكمهم تتجاوز صلاحياتها بشكل متكرر، وتعتدي عليهم بشكل بشكل يومي. إذا كنت تعتقد أن هناك عقدا بينك وبين السلطة التي تحكمك، فهل تعتقد أن من حق السلطة خرق هذا العقد وانتزاع حقوقك أو فرض التزامات عليك لا توافق عليها أنت؟ إذا كنت تعتقد أن هناك عقدا بينك وبين السلطة التي تحكمك، فإلى متى تلتزم بالعقد إذا كانت السلطة تخرقه بشكل متكرر؟

لنناقش الحالة الأخرى، إذا كنت لا تعتقد بوجود عقد بينك وبين السلطة التي تحكمك، فما الذي يفرض عليك الخضوع لها؟ هل تخضع للسلطة بسبب قدرتها على الحاق الضرر بك وبمن حولك، مما يجعل الخضوع للسلطة أقل ضررا من مقاومتها؟ هل تخضع للسلطة بسبب قدرتها على إرهابك؟ بسبب عدم وجود ما يردعها عن الاعتداء عليك وخطفك أو سجنك أو نهب أموالك بمبررات متفقة أو غير متفقة مع القوانين التي تسنها. هل تخضع للسلطة لأنك تعتقد أن من واجبك الخضوع للسلطة، ولأن آباءك وأجدادك خضعوا مما يفرض عليك أنت أن تخضع؟ هل تخضع للسلطة لأن السلطة تحكم باسم الشعب أو باسم الله أو باسم العصابة أو القبيلة أو المشيخة أو الكنيسة؟ هل تخضع للسلطة لأن العالم كله يخضع؟ هل تعتقد أن الخضوع للسلطة هو خيارك الوحيد؟

أنا لا أعتقد بوجود أي عقد اجتماعي بين السلطة ومن تحكمهم. ما يفرض بالقوة أو بالانتخاب أو بالاستفتاء ليس عقدا، هذا فرض من قبل السلطة وليس عقدا. في حوارنا الأول ناقشنا أنه إذا لم يكن يحق لأحد أن يفرض عليك أمرا بشكل شخصي فبالتالي لا يحق له أن يفرض عليك هذا الأمر بالانتخاب، ولا يحق لأحد أن يفرض هذا الأمر عليك بحجة أنه نجح في انتخابات ما. وفي حوارنا الثالث ناقشنا أن أية سلطة من أي نوع تستطيع أن تسن ما تريد من القوانين، وبالتالي تستطيع أن تفرض ما تريد على من تريد، وأن تعتدي على أي كان بدون أية عواقب. أية سلطة تستطيع أن تفرض ما تريد على من يخضعون لها وتسمي ذلك الفرض عقدا اجتماعيا.

أنا لا أعرف لماذا يخضع كل شخص للسلطة، ولا أريد أن أنتقد سلوك الناس. لكل شخص الحرية الكاملة في التنازل عن حريته والخضوع لأية سلطة يريدها، وأسئلتي السابقة هي محاولة للفهم وليست لانتقاد شخص أو سلوك أو موقف. لاحظ أن هذه الأسئلة شخصية وموجهة لك شخصيا ولا تتعلق بأي شخص آخر. وأتمنى أن تجيب عليها بشكل شخصي بعد تفكير، ووفق ما يمليه عليك ضميرك. لا حاجة لترسل لي جوابك، ولكن إذا رغبت فأنا أرحب بإجابات من نوع: أنا أخضع لهذه السلطة لهذا السبب. وإليك جوابي الشخصي على هذا السؤال.

أنا أخضع أحيانا لأنواع مختلفة من السلطات، ولكنني أنظر إلى جميع هذه السلطات كسلطات احتلال. بالنسبة لي، أية سلطة تعتدي على حقوقي هي سلطة احتلال، وأنا أتعامل معها كما يتعامل صاحب الحق مع من يعتدي عليه ويغتصب حقه. أنا لا أعترف بحق السلطة في السيطرة على حياتي، ولا أتردد في انتزاع حقي من السلطة عندما أستطيع ذلك. العلاقة بيني وبين السلطة ندية دائما، السلطة تحاول أن تغتصب حقوقي وأنا أدافع عن حقوقي وحقوق من حولي.

مهما كان جوابك الشخصي، ومهما كان مبرر خضوعك للسلطة، فأنا لا أريد أن أفرض عليك أي شيء، لا بالقوة ولا بالانتخاب ولا حتى بالنقاش. أنا لا أريد أن أصنع نوعا جديدا من السلطة وأفرضه عليك أو على الآخرين، بالمقابل، هل تريد أنت أن تصنع سلطة وتفرضها على الآخرين؟ هل تريد أن تشارك في صناعة السلطة عبر الانتخاب؟ هل تعتقد أنك قادر على تغيير طبيعة عمل السلطة عبر انتخاب سياسيين يطبقون برامج أحزاب؟ هل تعتقد أن انتخابك قد يؤدي إلى تخفيض عدد الاعتداءات عليك؟ أصلا هل تعرف انتخابا أدى لتخفيض عدد الاعتداءات على البشر؟ انظر حولك في العالم خلال السنوات الماضية وحاول البحث عن انتخابات أفرزت سلطة أقل عدوانية من السلطة التي قبلها، ولنتناقش في ذلك.

إذا كنت مستعدا للمشاركة في صناعة السلطة عبر الترشح للانتخاب أو عبر الانتخاب، فهل أنت مستعد لتحمل المسؤولية عن مشاركتك في صناعة السلطة؟ هل أنت مستعد لتحمل المسؤولية عن أي اعتداء تقوم به السلطة عليك أنت وعلى من حولك وعلى الآخرين؟

أنا لا أريد أن أصنع سلطة جديدة، ولا أريد أن أفرض عليك أية سلطة. كل ما أريده هو أن أتمكن من الحياة بأقل خسائر ممكنة نتيجة اعتداءات السلطات القائمة حاليا علي وعلى من حولي.

وإذا شاهدتني أقاوم سلطة ما، فاعلم أنني أقاوم دفاعا عن نفسي وعن حقوقي، وليس لأنني أريد أن أفرض سلطة أخرى. إذا شاهدتني أقاوم سلطة ما، فماذا سيكون موقفك مني ومن السلطة؟ هل ستقف معي وتدافع عن حقي وحقك؟ أم أنك ستقف مع السلطة وتساعدها في الاعتداء علي؟ أم أنك ستتفرج على ما يحصل وكأن الأمر لا يعنيك؟ فكر جيدا في هذا السؤال، فالإجابات الخاطئة عليه ساهمت في نشوء عدد من أقذر و أشنع أنواع السلطات في التاريخ، بما في ذلك السلطات القذرة التي تمنع الناس من مغادرة منزلهم ومن الالتقاء بالآخرين، ومن التنفس كما يريدون.

القنوات
الموضوع

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.