حوار معك 7

الأيهم صالح
الوصف

يقول أحد الردود التي وصلتني: أنت لا تريد سلطة، فماذا سيحصل للوظائف التي تؤديها السلطة؟

قبل الرد على هذا السؤال أود أن أعود إلى بضعة أفكار أساسية ناقشناها سابقا، منها أنني لا أريد أن أفرض شيئا ما على أحد، لا أريد أن أفرض شكلا معينا للسلطة على أحد، ولا شكلا محددا للمجتمع على أحد، وبنفس الوقت لا أريد أن يفرض أحد علي أو عليك أي شكل للسلطة أو أي قالب محدد. أريد أن أعيش وأتعامل مع من حولي وفق أخلاقي وأخلاقهم وأتحمل المسؤولية الكاملة عن سلوكي وعن كل ما يحصل معي، وأن أتعامل مع من يتحملون المسؤولية الكاملة عن سلوكهم وكل ما يحصل معهم.

أنا أعتقد أن من حقي مقاومة الاعتداء الذي يستهدفني ويستهدف من حولي، وأعتقد أن من حق كل شخص مقاومة أي اعتداء عليه وعلى الآخرين.

لنناقش بعض الوظائف التي تؤديها السلطة، مثلا وظيفة الدفاع. ما المقصود بالدفاع؟ هل يعني ذلك منع سلطة أخرى من السيطرة علي وعلى من حولي؟ لنفرض أنك تريد أن تمنع سلطة محددة من السيطرة عليك وعلى الآخرين، هل تعتقد أن أفضل طريقة لذلك هي اختراع سلطة أخرى للسيطرة عليك وعلى الآخرين؟ هل تعتقد أن مقاومة سلطة عصابة ما تتم بالخضوع لسلطة عصابة أخرى؟ هل تعتقد أن التحرر من سلطة ديكتاتورية ما يتم بالخضوع لسلطة ديكتاتورية أخرى؟ هل تعتقد أن التحرر من سلطة ما يتم عبر الخضوع لسلطة أخرى؟ أنا أرى هذا الطرح متناقضا في جوهره، وأستغرب أن لا يبدو التناقض ظاهرا لكل من يفكر بالموضوع ببساطة. الخضوع للسلطة لا يعني مقاومة الاعتداء، بل يعني الخضوع للاعتداء. هذا ليس تحررا، بل إن هذا المنطق يشبه أن يتحرر عبد من سلطة سيده عبر الانتقال إلى سلطة سيد آخر.

إذا كنت من أنصار السلطة، فهل تعتقد أنك تحتاج سلطة تعتدي عليك لحمايتك من سلطة أخرى تعتدي عليك؟ ربما كنت تستخدم هذا المنطق لتبرر خضوعك للسلطة، واعتداء السلطة على الآخرين بحجة حمايتهم، ولكن هل ترى هذا المنطق سليما؟ أم أنه متناقض في جوهره؟ هل تبرر أخلاقك الاعتداء على الناس لأنك تعتقد أن في ذلك مصلحة لهم؟ هل يحق لأي شخص أن يعتدي عليك بحجة حمايتك من الاعتداء، حتى لو ادعى أنه نجح في تصويت ما؟ إذا كنت تعتقد أن الخضوع لسلطة هو أحد طرق مقاومة اعتداء سلطة أخرى، فهل تعتقد أن هذا هو أفضل طريقة لمواجهة الاعتداء؟ ألا تستطيع أن تفكر بطرق أخرى لمقاومة الاعتداء بدون الخضوع لاعتداء آخر؟ هل تستطيع أن تفكر بحرية وبدون افتراض حتمية وجود سلطة ما تعتدي عليك وعلى الآخرين؟

ماذا أفعل في حالة مواجهة خطر اعتداء علي وعلى من حولي من جهة أخرى غير السلطة التي تعتدي علي بشكل مستمر؟ أنا أعتقد أنني مسؤول عن نفسي وعن تصرفاتي، وعلى هذا الأساس أناقش الظروف وأتخذ قراري. بالمقابل أنا أعرف بالضبط ماذا لا أفعل، أنا لا أعتدي على أحد عندما أواجه خطر اعتداء علي. أنا أدافع عن نفسي واستخدم القوة إن اضطررت، ولكن لا أعتدي على أحد.

لنناقش وظيفة أخرى من الوظائف التي تؤديها السلطة حاليا، وهي وظيفة الضمان الاجتماعي. لنفرض أنك ترغب في مساعدة الفقراء، فهل ترى أن أفضل وسيلة لذلك هي إجبار الآخرين على الخضوع لسلطة بحجة مساعدة الفقراء؟ هل تعتقد أن مساعدة الفقراء تتم عبر إلزام الناس بدفع ضرائب للسلطة سواء شاؤوا أم أبوا، ومصادرة أموال من لا يوافق على الدفع أو إرساله إلى السجن؟

إذا كنت من أنصار السلطة، فهل تعتقد أن من حقك انتزاع أموال الناس بحجة رغبتك في مساعدة الفقراء؟ هل تعتقد أن من حقك الاعتداء على الناس إذا كنت تعتقد أن ذلك لصالحهم أو للمصلحة العامة؟ ألا تستطيع التفكير بطرق لمساعدة الفقراء لا تتضمن الاعتداء على الناس أو إخضاعهم لسلطة تعتدي عليهم؟ إذا كنت تريد فعلا مساعدة الفقراء، فلماذا لا تقوم بذلك بنفسك وبدون الاعتداء على الآخرين أو إخضاعهم للسلطة؟ وإذا كنت تعتقد أن الخضوع للسلطة هو أحد طرق مساعدة الفقراء، فهل تعتقد أنه أفضل طريقة لذلك؟ هل تستطيع أن تتخيل طرقا لمساعدة الفقراء لا تتضمن الاعتداء على الناس؟ ماذا سيكون موقفك عندما تصادر السلطة أموالك بحجة مساعدة من ترفض أنت أن تساعدهم؟ وماذا سيكون موقفك ممن تضعهم السلطة حجة لمصادرة أموالك؟

لنأخذ أية وظيفة أخرى من وظائف السلطة، هل ترى أن أفضل طريقة لتنفيذ هذه الوظيفة هي الاعتداء على الناس وفرض أمور عليهم لا يوافقون عليها؟ هل تعتقد أن الخضوع للسلطة هو الشرط الأساسي لحل أية مشكلة؟ ألا تستطيع أن تفكر بشكل مستقل عن وجود السلطة؟ حتى لو كنت من أنصار السلطة، فهل تعتقد أن السلطة مسؤولة عن حل المشاكل التي تواجهها؟ أم أنك مسؤول عن نفسك وما يحصل معك؟ هل تستطيع أن تفكر بحلول لمشاكلك لا تتضمن خضوعك لسلطة تعتدي عليك وعلى من حولك؟

وماذا عن أسوأ وظيفة تمارسها السلطة، وهي الاعتداء على الناس تحت شعار تطبيق القانون؟ هل الاعتداء على الناس بحجة حماية حقوقهم يتوافق مع أخلاقك؟ ما موقفك من شخص يسرق أموالك بحجة حمايتك من السرقة؟ ما موقفك من شخص يعتدي عليك بحجة حمايتك من الاعتداء؟ إذا كنت تسمح لشخص أو لفئة ما أن تعتدي عليك وتنهب أموالك وتخطفك أو تحجز حريتك، فلماذا لا تسمح بذلك لمجموعة أخرى من الناس؟ هل تعتقد أنك تنتمي إلى السلطة التي تخضع لها؟ ما الفرق بين هذا المنطق ومنطق عبد مخلص لسيده، أي أنه يطيع سيده فقط، ويرفض طاعة سادة آخرين؟

للسلطة أنصارها، وأنا لا أريد أن أنتقدهم بشكل شخصي، قلت سابقا أنني لا أتدخل في خيارات الآخرين، ونقاشي هنا يتعلق بالأفكار فقط، ولا يتعلق بمواقف محددة ولا بأشخاص محددين. وعندما يسألني أنصار السلطة سؤالا من نوع "كيف نحل هذه المشكلة في حالة عدم وجود سلطة"، فأنا أفهم أن هدف السؤال هو تبرير الخضوع لسلطة ما. يختلف الوضع كثيرا عندما يكون السؤال "كيف نحل هذه المشكلة بدون اعتداء على أحد".

إذا كنت من أنصار السلطة، فهل تعتقد أن حل أية مشكلة يبدأ باختراع سلطة ما؟ ثم بفرض قانون على الناس رغما عنهم؟ ثم بإجبار الناس على تطبيق هذا القانون رغما عنهم؟ ثم بمعاقبة من يرفضون تطبيق القانون رغما عنهم؟ ثم بفرض قوانين جديدة على الناس رغما عنهم لحل المشاكل التي أنتجتها طريقة السلطة في حل المشاكل؟

وإذا لم تكن من أنصار السلطة، فهل ترى معي أن السلطة هي أسوأ حل لأية مشكلة، وأن السلطة هي أسوأ جواب لأي سؤال؟ وأن حل أية مشكلة يبدأ بالتخلص من وسواس حاجة الإنسان إلى أية سلطة من أي نوع، سواء كانت سلطة إلهية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو طبقية أو غيرها؟

القنوات
الموضوع

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.