بقلم علي يوسف.
من المهم عند البحث في طبيعة الأقليات في المشرق العربي الانتباه إلى الفوارق بينها وبين الأقليات الموجودة في أوروبا وأميركا.
أن معظم الأقليات الموجودة في أوروبا ناتجة عن هجرة أبناء الشعوب الفقيرة إلى تلك البلاد في مئة السنة الأخيرة حاملةً معها خصائصها الثقافية المختلفة عن الخصائص الثقافية للشعوب الأوروبية, ولم يمض الوقت الكافي لاندماجها في مجتمعاتها الجديدة فبقيت محاصرة بمفهوم "الأقلية", أضف إلى ذلك الظروف السياسية المحيطة التي ساهمت في بقائها ضمن هذا المفهوم ومن ضمنها علاقات أوطانها الجديدة بأوطانها الأصلية. من هذه الأقليات نذكر المغاربة في فرنسا، والأتراك في ألمانيا والباكستانيين في بريطانيا.
أما الجماعات الدينية والعرقية (والأصح تسميتها لغوية وليس عرقية) الصغيرة في المشرق العربي والتي تصنَّف تحت مفهوم "الأقليات" فمعظمها جماعات قديمة جداً في بلدانها, بل إن بعضها يعود وجوده إلى أكثر من 4500 سنة.
والمقصود بالوجود هنا هو الوجود الثقافي "بمعنى الخصائص الفكرية والاجتماعية الموروثة التي حافظت عليها تلك الجماعات ومنها اللغة والأدب والعادات والتقاليد", أما الوجود البشري فلا يمكننا تحديد أصوله بدقة لأن الكثير من أبناء هذه الجماعات قد اندمج في البيئة الاجتماعية الموجود فيها، وأصبح من ضمن النسيج الاجتماعي ولم يعد يندرج تحت مفهوم "الأقلية". وهذا سببٌ هامٌّ في كونها جماعات صغيرة، حيث لم يسجل لنا التاريخ حالات إبادة جماعية منظّمة تذكر. أما الحالات التي تمت فيها إبادة أعداد كبيرة من جماعة معينة فكان يتم ذلك، على الأغلب، إما من خلال حروب غير متكافئة بين طرفين "مثل تدمير حمورابي لمدينة ماري في الألف الثانية ق.م، والمعارك التي قامت بين الآشوريين والأكراد "في بدايات القرن العشرين"، أو نتيجة ظروف محلية معينة "كمجزرة حلبجة التي كان الأكراد ضحيتها"، بعكس الحالات التي نجدها في أمريكا الشمالية مثلاً حيث تمت إبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر على يد المهاجرين الجدد, منهم 400000 هندي أحمر هم تعداد شعب كونوي Conoy الذي كان يقطن مدينة شتنكة الهندية الحمراء التي أبيدت عن بكرة أبيها سنة 1623 وقامت العاصمة الأمريكية واشنطن على أنقاضها
ولا تصنَّف الجماعات الصغيرة في المشرق العربي تحت مفهوم "السكان الأصليين" السائد في أمريكا وأستراليا كمفهوم لشعوب لم تساهم بشكل مؤثِّر في الحركة التفاعلية "أخذ وعطاء" مع القادمين الجدد, بل إنها كانت ولا تزال عنصر مؤثِّر وفعال جدّاً في النسيج الحضاري للمجتمعات القائمة فيها. فالثقافة المشرقية الموجودة اليوم هي مزيجٌ متفاعلٌ تاريخياً ساهمت في بنائه وبلورته على مدى قرون ٍ طويلةٍ كافة الشعوب والجماعات التي استقرّت أو مرّت في المشرق العربي.
ففي لهجات ساحل المتوسط الشرقي نجد الكثير جدّاً من الكلمات ذات الأصول الآرامية في كلام الناس اليومي، مثل شكارة "أي قطعة الأرض المزروعة الصغيرة"، أو زرع دلّيل "أي قليل", أو دجن "أي خبز"....
وذلك الشيء ينطبق كذلك على أسماء القرى والمدن, مثل شين "أي القمر" أو برشين "ابن القمر" أو بعلشميه "بعل السماء (رب السماء) "أو بطرّام "بيت رام (بيت العالي)"، والأمثلة أكثر بكثير من أن تحصى.
في مرحلة الانحطاط الحضاري تنغلق الجماعات الصغيرة لعدة أسباب منها الخوف من الذوبان القسري في الأغلبية السائدة، والخوف على المصالح الفئوية، وذلك لأن المرحلة المذكورة تفتقر لخصائص التطور التي تميز المجتمعات الراقية، مثل التسامح والتفاعل واحترام الآخر واختلافه وبالتالي قبول التعددية في المجتمع الواحد (وحدة التجانس والتنوع).
وكذلك نجد ظروفاً عديدة تختلف بين جماعة وأخرى ساهمت، عبر التاريخ، بمحافظة هذه الجماعات الصغيرة على خصائصها الثقافية المميزة، والتي تأخذ بصورة أو بأخرى نوعاً من الانغلاق. ففي حين كان البعد عن مركز الدولة عاملاً أساسياً في حفاظ الآشوريين وسريان الشمال السوري العراقي وكيليكية "مناطق جنوب جبال طوروس" على لغتهم "بعكس السريان في المناطق الداخلية الذين لم يعد للسريانية وجود عند أغلبيتهم إلا في طقوس الصلاة"، نجد أن هذا البعد، إضافةً إلى الظروف السياسية المحلية والدولية، قد ساهم في قلّة اندماج الأكراد مع محيطهم.
أمّا الصابئة واليزيديين فقد لعبت الخصوصيّة الدينية دوراً أساسياً في الحفاظ على خصائصهما الثقافية الدينية المختلفة عن محيطهما.
وفي حال وجود مركز ديني أو ثقافي هام لجماعة نجد أنه يلعب دوراً هاماً في بروز خصوصية هذه الجماعة كما هي الحال في معلولا و جبعدين (30كم عن دمشق) اللتين ما تزالان إلى الآن تتكلمان الآرامية في محيط اختفت منه هذه اللغة كلغة حياة يومية.
أما بالنسبة للأرمن والشراكس والألبان والبوشناق وغيرها ممن وفد إلينا في مئتي السنة الأخيرة فهي جماعات حديثة الهجرة إلى بلادنا بحيث ما تزال هويتها الثقافية الأم موجودة في ذاكرة أبنائها وحياتهم اليومية.
وتبقى العقلية المنغلقة وراء انغلاق الأغلبية الساحقة من اليهود وانعزالهم ورفضهم الاندماج في مجتمعاتهم الموجودين فيها.
لقد قدمت الجماعات الصغيرة (الأقليات) في المشرق العربي الكثير من الشخصيات التي لعبت دورا مهما في بلادها. نذكر على سبيل الأمثلة, الكردي محمد كرد علي رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق في عشرينيات القرن الماضي, والكردي خالد بكداش أحد زعماء الحزب الشيوعي السوري, والتركماني يوسف العظمة أول وزير دفاع سوري وقائد معركة ميسلون الشهيرة، والشركسي سعيد المفتي الذي تولى رئاسة الحكومة الأردنية، والشركسية توجان الفيصل النائبة الأردنية المعارضة وأول امرأة أردنية تدخل مجلس النواب الأردني والأرمني كريم بقرادوني رئيس حزب الكتائب اللبنانية، والبروتستانتي فارس الخوري الشخصية الوطنية السورية الكبيرة الذي تولى مسؤولية رئيس حكومة ورئيس مجلس نواب في سوريا، والأرثوذكسي أنطون سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، والدرزي سلطان الأطرش قائد الثورة السورية الكبرىسنة1925، والعلوي أدونيس الشاعر الكبير والذي ترشح لجائزة نوبل أكثر من مرة, والعلوي سعد الله ونوس أحد أهم كتاب المسرح في العالم العربي, والرحابنة الأرثوذكس.............
إن المفارقة المؤلمة هي أن المنطقة التي شهدت نزوح الكثير من الجماعات إليها هرباً من الاضطهاد في بلادها الأصلية هي نفس المنطقة التي تشهد نزوح أبناء أقلياتها إلى خارجها نتيجة الشعور بهذا الاضطهاد.!!
إن تاريخ المشرق العربي كان دائماً تاريخ تعايش الثقافات واللغات والأعراق المتنوعة (وليس ظاهرة معاصرة فقط) ولم تخل مرحلة من مراحله من هذا التنوع، لكن، حين كان المجتمع على درجة من الرقي الحضاري كانت الجماعات متناغمة متسامحة متعاونة (متفاعلة)، كما في فترات حضارة ماري وتدمر مثلاً اللتين امتلأت أحياؤها بعشرات المعابد لأتباع ديانات مختلفة ومع ذلك لم تشهد أي اصطدام جماعي فيما بينها بسبب المعتقدات. أما عندما يكون المجتمع في مرحلة انحطاط اقتصادي وفكري فإن جماعاته تتناحر وتتنافر.
إن حماية وجود الأقليات في المشرق العربي، هي حماية لخصوصية هذا المشرق الذي يبدو وكأنه حديقة متنوعة الورود، في الحالة السليمة تفوح الروائح العطرة لجميع وروده، وفي الحالة المريضة لا نشم سوى الروائح النتنة. وهذا لا يتم إلا بصياغة مفهوم واضح للمواطنة قائم على أساس الانتماء للوطن فقط، ولا تدخل فيه أية أسس عرقية أو لغوية أو دينية.
والأمر بحاجة أيضا لترسيخ قيم التسامح، فحيث يوجد تسامح تختلط الثقافات وتتفاعل ويصبح الجميع قابل لوجود الجميع.
====
1 - منير العكش– محاولة لفهم أميركا – ملحق جريدة البعث الفكري – العدد 8 – دمشق 5-5-2003.
2 - فايز سارة – أقليات شرق المتوسط – دار مشرق مغرب –دمشق 1999
من المهم عند البحث في طبيعة الأقليات في المشرق العربي الانتباه إلى الفوارق بينها وبين الأقليات الموجودة في أوروبا وأميركا.
أن معظم الأقليات الموجودة في أوروبا ناتجة عن هجرة أبناء الشعوب الفقيرة إلى تلك البلاد في مئة السنة الأخيرة حاملةً معها خصائصها الثقافية المختلفة عن الخصائص الثقافية للشعوب الأوروبية, ولم يمض الوقت الكافي لاندماجها في مجتمعاتها الجديدة فبقيت محاصرة بمفهوم "الأقلية", أضف إلى ذلك الظروف السياسية المحيطة التي ساهمت في بقائها ضمن هذا المفهوم ومن ضمنها علاقات أوطانها الجديدة بأوطانها الأصلية. من هذه الأقليات نذكر المغاربة في فرنسا، والأتراك في ألمانيا والباكستانيين في بريطانيا.
أما الجماعات الدينية والعرقية (والأصح تسميتها لغوية وليس عرقية) الصغيرة في المشرق العربي والتي تصنَّف تحت مفهوم "الأقليات" فمعظمها جماعات قديمة جداً في بلدانها, بل إن بعضها يعود وجوده إلى أكثر من 4500 سنة.
والمقصود بالوجود هنا هو الوجود الثقافي "بمعنى الخصائص الفكرية والاجتماعية الموروثة التي حافظت عليها تلك الجماعات ومنها اللغة والأدب والعادات والتقاليد", أما الوجود البشري فلا يمكننا تحديد أصوله بدقة لأن الكثير من أبناء هذه الجماعات قد اندمج في البيئة الاجتماعية الموجود فيها، وأصبح من ضمن النسيج الاجتماعي ولم يعد يندرج تحت مفهوم "الأقلية". وهذا سببٌ هامٌّ في كونها جماعات صغيرة، حيث لم يسجل لنا التاريخ حالات إبادة جماعية منظّمة تذكر. أما الحالات التي تمت فيها إبادة أعداد كبيرة من جماعة معينة فكان يتم ذلك، على الأغلب، إما من خلال حروب غير متكافئة بين طرفين "مثل تدمير حمورابي لمدينة ماري في الألف الثانية ق.م، والمعارك التي قامت بين الآشوريين والأكراد "في بدايات القرن العشرين"، أو نتيجة ظروف محلية معينة "كمجزرة حلبجة التي كان الأكراد ضحيتها"، بعكس الحالات التي نجدها في أمريكا الشمالية مثلاً حيث تمت إبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر على يد المهاجرين الجدد, منهم 400000 هندي أحمر هم تعداد شعب كونوي Conoy الذي كان يقطن مدينة شتنكة الهندية الحمراء التي أبيدت عن بكرة أبيها سنة 1623 وقامت العاصمة الأمريكية واشنطن على أنقاضها
ولا تصنَّف الجماعات الصغيرة في المشرق العربي تحت مفهوم "السكان الأصليين" السائد في أمريكا وأستراليا كمفهوم لشعوب لم تساهم بشكل مؤثِّر في الحركة التفاعلية "أخذ وعطاء" مع القادمين الجدد, بل إنها كانت ولا تزال عنصر مؤثِّر وفعال جدّاً في النسيج الحضاري للمجتمعات القائمة فيها. فالثقافة المشرقية الموجودة اليوم هي مزيجٌ متفاعلٌ تاريخياً ساهمت في بنائه وبلورته على مدى قرون ٍ طويلةٍ كافة الشعوب والجماعات التي استقرّت أو مرّت في المشرق العربي.
ففي لهجات ساحل المتوسط الشرقي نجد الكثير جدّاً من الكلمات ذات الأصول الآرامية في كلام الناس اليومي، مثل شكارة "أي قطعة الأرض المزروعة الصغيرة"، أو زرع دلّيل "أي قليل", أو دجن "أي خبز"....
وذلك الشيء ينطبق كذلك على أسماء القرى والمدن, مثل شين "أي القمر" أو برشين "ابن القمر" أو بعلشميه "بعل السماء (رب السماء) "أو بطرّام "بيت رام (بيت العالي)"، والأمثلة أكثر بكثير من أن تحصى.
في مرحلة الانحطاط الحضاري تنغلق الجماعات الصغيرة لعدة أسباب منها الخوف من الذوبان القسري في الأغلبية السائدة، والخوف على المصالح الفئوية، وذلك لأن المرحلة المذكورة تفتقر لخصائص التطور التي تميز المجتمعات الراقية، مثل التسامح والتفاعل واحترام الآخر واختلافه وبالتالي قبول التعددية في المجتمع الواحد (وحدة التجانس والتنوع).
كما أن عدم وجود تفاعل ينسج الثقافات مع بعضها ويخلق مناخ من العيش المشترك فيما بينها للوصول إلى وحدة في المصالح والغايات في خطوطها العريضة مع الحفاظ على خصوصية كل جماعة" يُعتبر سبباً هامّاً لهذا الانغلاق.
وكذلك نجد ظروفاً عديدة تختلف بين جماعة وأخرى ساهمت، عبر التاريخ، بمحافظة هذه الجماعات الصغيرة على خصائصها الثقافية المميزة، والتي تأخذ بصورة أو بأخرى نوعاً من الانغلاق. ففي حين كان البعد عن مركز الدولة عاملاً أساسياً في حفاظ الآشوريين وسريان الشمال السوري العراقي وكيليكية "مناطق جنوب جبال طوروس" على لغتهم "بعكس السريان في المناطق الداخلية الذين لم يعد للسريانية وجود عند أغلبيتهم إلا في طقوس الصلاة"، نجد أن هذا البعد، إضافةً إلى الظروف السياسية المحلية والدولية، قد ساهم في قلّة اندماج الأكراد مع محيطهم.
أمّا الصابئة واليزيديين فقد لعبت الخصوصيّة الدينية دوراً أساسياً في الحفاظ على خصائصهما الثقافية الدينية المختلفة عن محيطهما.
وفي حال وجود مركز ديني أو ثقافي هام لجماعة نجد أنه يلعب دوراً هاماً في بروز خصوصية هذه الجماعة كما هي الحال في معلولا و جبعدين (30كم عن دمشق) اللتين ما تزالان إلى الآن تتكلمان الآرامية في محيط اختفت منه هذه اللغة كلغة حياة يومية.
أما بالنسبة للأرمن والشراكس والألبان والبوشناق وغيرها ممن وفد إلينا في مئتي السنة الأخيرة فهي جماعات حديثة الهجرة إلى بلادنا بحيث ما تزال هويتها الثقافية الأم موجودة في ذاكرة أبنائها وحياتهم اليومية.
وتبقى العقلية المنغلقة وراء انغلاق الأغلبية الساحقة من اليهود وانعزالهم ورفضهم الاندماج في مجتمعاتهم الموجودين فيها.
لقد قدمت الجماعات الصغيرة (الأقليات) في المشرق العربي الكثير من الشخصيات التي لعبت دورا مهما في بلادها. نذكر على سبيل الأمثلة, الكردي محمد كرد علي رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق في عشرينيات القرن الماضي, والكردي خالد بكداش أحد زعماء الحزب الشيوعي السوري, والتركماني يوسف العظمة أول وزير دفاع سوري وقائد معركة ميسلون الشهيرة، والشركسي سعيد المفتي الذي تولى رئاسة الحكومة الأردنية، والشركسية توجان الفيصل النائبة الأردنية المعارضة وأول امرأة أردنية تدخل مجلس النواب الأردني والأرمني كريم بقرادوني رئيس حزب الكتائب اللبنانية، والبروتستانتي فارس الخوري الشخصية الوطنية السورية الكبيرة الذي تولى مسؤولية رئيس حكومة ورئيس مجلس نواب في سوريا، والأرثوذكسي أنطون سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، والدرزي سلطان الأطرش قائد الثورة السورية الكبرىسنة1925، والعلوي أدونيس الشاعر الكبير والذي ترشح لجائزة نوبل أكثر من مرة, والعلوي سعد الله ونوس أحد أهم كتاب المسرح في العالم العربي, والرحابنة الأرثوذكس.............
إن المفارقة المؤلمة هي أن المنطقة التي شهدت نزوح الكثير من الجماعات إليها هرباً من الاضطهاد في بلادها الأصلية هي نفس المنطقة التي تشهد نزوح أبناء أقلياتها إلى خارجها نتيجة الشعور بهذا الاضطهاد.!!
إن تاريخ المشرق العربي كان دائماً تاريخ تعايش الثقافات واللغات والأعراق المتنوعة (وليس ظاهرة معاصرة فقط) ولم تخل مرحلة من مراحله من هذا التنوع، لكن، حين كان المجتمع على درجة من الرقي الحضاري كانت الجماعات متناغمة متسامحة متعاونة (متفاعلة)، كما في فترات حضارة ماري وتدمر مثلاً اللتين امتلأت أحياؤها بعشرات المعابد لأتباع ديانات مختلفة ومع ذلك لم تشهد أي اصطدام جماعي فيما بينها بسبب المعتقدات. أما عندما يكون المجتمع في مرحلة انحطاط اقتصادي وفكري فإن جماعاته تتناحر وتتنافر.
إن حماية وجود الأقليات في المشرق العربي، هي حماية لخصوصية هذا المشرق الذي يبدو وكأنه حديقة متنوعة الورود، في الحالة السليمة تفوح الروائح العطرة لجميع وروده، وفي الحالة المريضة لا نشم سوى الروائح النتنة. وهذا لا يتم إلا بصياغة مفهوم واضح للمواطنة قائم على أساس الانتماء للوطن فقط، ولا تدخل فيه أية أسس عرقية أو لغوية أو دينية.
والأمر بحاجة أيضا لترسيخ قيم التسامح، فحيث يوجد تسامح تختلط الثقافات وتتفاعل ويصبح الجميع قابل لوجود الجميع.
====
1 - منير العكش– محاولة لفهم أميركا – ملحق جريدة البعث الفكري – العدد 8 – دمشق 5-5-2003.
2 - فايز سارة – أقليات شرق المتوسط – دار مشرق مغرب –دمشق 1999
إضافة تعليق جديد