الحكومة في كرمنا

تعقد في دمشق هذه الأيام ورشة المصادر المفتوحة الأولى في سورية التي تنظمها شبكة نوستيا وورشة مهندسي المعلومات العرب بالتعاون مع جامعة كان نورماندي الفرنسية.

يعرض موقع الورشة على الشبكة أهدافها، وهي أهداف رائعة وطموحة جدا باستثناء آخر هدف منها، وهو الهدف الذي لا يمكنني أن أعمل لتحقيقه.

كتب الكثيرون عن المصادر المفتوحة بالعربية، ولكنني لم أكتب عنها، رغم أنني أطور وأبيع برمجيات خاصة مفتوحة المصدر منذ عام 2000، وقد اعتذرت عن المشاركة في فعاليات الورشة، وتعرضت لعتب ولوم أصدقاء أعزاء، ولذلك أود أن أوضح موقفي من الورشة قبيل افتتاحها.

- أعتقد أن نشر فكر وفلسفة المصادر المفتوحة لا يحتاج أبدا إلى تدخل حكومي أو غير حكومي، بل بالعكس، قد يعيقه مثل هذا التدخل، خصوصا إذا أخذ توجه "اصدار معايير وضوابط عامة للعمل التقني العربي في هذا المجال" كما يقول الهدف الأخير من أهداف الورشة.
لقد كنا نطور برمجيات مفتوحة المصدر منذ سنوات، ومستخدمو برامجنا راضون عن عملنا بنسبة كبيرة، كما أننا حققنا نسبة نجاح كبيرة في مشاريعنا المفتوحة المصدر، ولم نحتج لتحقيق هذا إلى أي قانون أو نظام أو معيار أو تدخل من أحد.

- إن تجربة السوق السورية مع الحكومة تجربة مريرة جدا. خلال السنوات الماضية دخلت إلى السوق العديد من التقنيات الحديثة، ومنها الإنترنت، وكانت الحكومة أكبر عدو لهذه التقنيات، ولجأت إلى فرض قيود كثيرة على استقدام التقنيات وانتشارها بحجة "إصدار معايير أو ضوابط عامة" لاستخدامها. من هذه المعايير أو الضوابط مثلا حجب مواقع البريد الالكتروني، والتجسس على مراسلات الأفراد الشخصية، وحجب أغلب خدمات الإنترنت المفيدة، والضرائب الهائلة على صالات الإنترنت. لا يمكنني أن أفهم تدخل الحكومة في هذه الورشة، (والذي يبدو واضحا من برنامج الورشة وعناوين أوراقها وعبر رعايتها من قبل وزارة الإعلام)، إلا مجرد محاولة لفرض قيود جديدة (كما يبدو واضحا من الهدف الأخير للورشة) على العمل الحر الذي مارسه خبراء المصادر المفتوحة في سوريا خلال الأعوام الماضية. وأتمنى أن لا نجد في المستقبل قانونا يمنع استخدام Linux كما منعت حكومتنا استخدام بريد مكتوب العربي.
لقد عبر أحد خبراء المصادر المفتوحة في اللاذقية عن هذه الفكرة باختصار مدهش "في حدا بيجيب الحكومة على كرمه؟"

 

- لم يتم في السابق نشر فكر المصادر المفتوحة انطلاقا من قمة السلطة، ولا أعتقد أن مثل هذا العمل سيكون مجديا. في الحقيقة أن برمجيات المصادر المفتوحة في أغلب دول العالم انتشرت من القاعدة، وقد لجأت إليها الحكومات لأنها أثبتت فعاليتها كتطبيقات صغيرة، ثم كتطبيقات موزعة، ثم كتطبيقات مؤسسات عملاقة. ومن يريد فعلا أن ينشر المصادر المفتوحة عليه أن يتوجه إلى القاعدة، إلى المبرمجين، إلى صناع البرامج المفتوحة، يكفي أن يضعهم على أول الطريق، ويعطيهم المفتاح الأول، ثم يترك لهم مهمة فتح أبواب المستقبل لنفسهم. لقد نجحت هذه الطريقة سابقا في أغلب مجتمعات العالم، ويمكن أن تنجح ببساطة في بلدنا، إذا لم تتعرض لمحاولة إجهاض قبل أن تبلغ أشدها.

- لا خوف على مستقبل المصادر المفتوحة في العالم، ولا في سورية. الحقيقة أن المصادر المفتوحة أقدر كثيرا على المنافسة في السوق من أغلب الحلول الأخرى، ولذلك فهي لا تحتاج لأي دعم من قبل أي كان. إذا كان تطبيقك جيدا، وقدمت مصدره معه، وقدمت له دعما تقنيا كاملا، لا يستطيع أحد أن ينافسك، وكن واثقا أن الزبون سيختار الحل الأفضل، فهو لا يرغب في تبذير نقوده. لقد كانت المصادر المفتوحة خيار الكثير من المؤسسات العملاقة في العالم، لأنها تقدم حرية حقيقية للزبون، ولا شك أنها ستكون خيار المؤسسات العربية.

- الخوف الحقيقي هو على البرمجيات التقليدية غير المفتوحة، هذه البرمجيات بدأت تفقد أسواقها الكبيرة في العالم، وقد أدركت أن المعركة مع المصادر المفتوحة غير مجدية في تلك الأسواق، ولذلك تحاول الاتجاه إلى أسواق لم تتطور بعد، وتضع أسسا لمنع أو إعاقة تطور فكر المصادر المفتوحة. يتم هذا عادة بشراء القرارات والتعليمات الحكومية في الدول، وقد حصل هذا مثلا في صفقات متعددة عقدتها مايكروسوفت مع بعض دول الخليج العربي، ومع الحكومة الصينية أيضا. الحكومات ليست زبونا تقليديا، وصانع القرار فيها يمكن شراؤه إذا دفع السعر المناسب، ولذلك تم فرض النظم المغلقة في العديد من دول العالم النامية بقرار حكومي، رغما عن أنف مطوري المصادر المفتوحة. وللصراحة أقول أنني سمعت عن وجود من يدعم فرض النظم المغلقة في سوريا بين منظمي الورشة.

- حتى لو أوصت الورشة بـ "استحداث وسائل نشر وتعميم للبرمجيات المفتوحة المصدر ومفهومها." و "نشر البرمجيات مفتوحة المصدر على أوسع نطاق ممكن." و "استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر في المؤسسات التعليمية." أعتقد أن تحقيق هذه التوصية يحتاج إلى ورشات عمل من نوع آخر، ورشات عمل تقنية محترفة لتدريب مبرمجي المصادر المفتوحة في البلد، وهم كثر جدا . بدون تدريب تقني حقيقي لا معنى لكل هذه التوصيات، ولا أحد (باستثناء حكومتنا ومؤسساتها) يشتري تقنيات قبل أن يتأكد أن لديه الكوادر المؤهلة لاستثمارها.
بالمتاسبة، أعلن هنا أنه يسعدني جدا أن أشارك في ورشات العمل التقنية الموجهة لمن يعملون فعلا، أما النشاطات الموجهة لصناع القرار، فأنا أفضل أن أتركها لمن "يعرفون دواءهم".

- وأخيرا، ماذا يمكنني أن أقدم في هذه الورشة؟ هل أعتلي المنصة لأقول "دعونا نعمل بصمت، ولا تقاطعونا ونحن نبني البنية التحتية للمصادر المفتوحة" أم أسرد ذكرياتي مع صديق عزيز هو الآن أحد منظمي هذه الورشة، وأتذكر معه ذلك المساء الماطر في شهر شباط 2002 عندما كنا في صالة شتوية على الكورنيش الجنوبي في اللاذقية نخطط للمشاركة في مؤتمر المعلوماتية في دمشق، ولتجميع تيار يطالب بعدة أمور منها نشر المصادر المفتوحة في البلد، ثم قررنا أن الوقت لم يحن بعد، ومن الأفضل أن نأكل صحن الفتة، وننام باكرا لأن أمامنا يوم عمل طويل في منحة الأوائل الأولى.

سيقولون أنني معروف بنزعتي الفردية، وأنني قصير النظر، ولا أدرك البعد الاستراتيجي الديموغرافي البوليتكنيكي الأكاديمي المدري شو للمصادر المفتوحة. وسأبتسم لهم، وأشكرهم، وألتفت لعملي.

الأيهم صالح
www.alayham.com

مواقع تتعلق بالموضوع

موقع الورشة http://www.ossarabia.org
ورشة مهندسي المعلومات العرب http://www.warshah.org
مستخدمو لينكس في سورية http://www.linuxsyria.org

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.