في معرض رده على الردود التي وردت على هجومه على مقالة "من يحمينا في بلادنا: الطالبانيون الجدد في سوريا" يقر الأستاذ مأمون الطباع أنه ليس معنيا بالرد على الأفكار الأساسية التي طرحها الأستاذ نبيل فياض في مقالته، وهي الخوف على مستقبل المجتمع السوري من غزو الفكر الإرهابي المعتم بعمامة الإسلام، ويقول أنه يركز على مقاطع معينة وردت في المقالة ولا يعنيه غيرها. وردت هذه المقاطع في سياق الأمثلة التي ساقها الكاتب نبيل فياض على أسس العقيدة الإرهابية التي يحملها من يسميهم بالطالبانيين الجدد، وهي أمثلة على أفعال رافقت بدايات الفترة الإسلامية أيام حكم الرسول وما بعده، وفيها ذكر حوادث مثل ربط امرأة بدابتين وشقها إلى نصفين بأمر الرسول، وأمر الرسول بقطع أيدي وأرجل قوم ثم رميهم في الحر حتى يموتوا.
وحتى عندما يتعرض المحامي الطباع لهذه الأحداث التي جرت منذ أكثر من 1400 عاما، نجد أنه لا يبدي أي رأي فيها، ولا يعتبر مثلا أنها سلوك لا إنساني بشع ينافي أبسط القيم الإنسانية، بل يحاول منع نبيل فياض من الكتابة عنها وإبداء رأيه بها بدعوى أن مجرد التعرض لها إساءة للوحدة الوطنية ومس بالمقدسات. ويقول بصراحة أنه ليس كاتبا محترفا ليرد على هذه الأفكار، ولكنه يعتقد أن رواية هذه القصص تعتبر مسا بالرسول الذي هو رمز لمئات الملايين من البشر، وهو أيضا قائد عربي له مكانته المتميزة بالنسبة لمعظم العلمانيين وللعرب غير المسلمين. ثم يعود إلى إطلاق التساؤلات الغامضة مثل "لم التعرض إلى مقدسات ملايين البشر دونما كسب محتمل؟" و "لم نخلط بين الديمقراطية والحرية، وبين حرية المس بالمعتقدات الدينية؟"
ويطرح الأستاذ الطباع أمثلة يعتبر أنها غير مفيدة للحوار، ويسرد قصصا أخرى عن العنف والقتل وسفك الدماء التي رافقت حياة الإسلام وحياة أمم أخرى غير الإسلام. ويختم مقاله بالتركيز على ثوابته الأساسية الوطنية، ثم يعود لإطلاق الاتهامات على الأشخاص الذين حاولوا الحوار معه بدون التركيز على الموضوع، فيقول مثلا: " ... رغم أنف من طلبوا مني تعريف الخط الأحمر و هم بتصرفاتهم يكرسون مواقف أعداء الديمقراطية الذين يعتبرون الديمقراطية مدخلاً للفوضى و النزاعات الأهلية, و يمنحونهم هدية تبرر التريث في فتح المنابر الإعلامية لكل المفكرين و المثقفين".
وفي سياق الرد على طروحات الأستاذ الطباع أقر أنني لا أنكر وطنيته ولا وطنية أي مواطن سوري، ولكنني أتساءل عن السبب الذي يدعو الأستاذ الطباع، وهو محام محترف، إلى إطلاق الاتهامات العنيفة التي تدور في فلك تخوين الآخر على الأستاذ فياض، وعلى بعض من ردوا على مقالته، ومنها مثلا اتهام من يطالبه بتعريف مصطلح الخط الأحمر الذي استخدمه في المقالة الأولى أنه يكرس موقف أعداء الديمقراطية.
كما أنني لا أستطيع أن أفهم كيف يكتفي الأستاذ الطباع بالرد على ربط نبيل فياض بين الإسلام والإرهاب أن هناك آخرين في العالم لا يروقونه ويعتقدون بنفس الأمر، بدون أن يكلف نفسه عناء مناقشة هذه فكرة علاقة الإسلام والإرهاب بشكل موضوعي.
إن فرض أي نوع من القيود على المجاهرة بالآراء الشخصية لأي سبب كان هو اعتداء على حق إنساني لبشر آخرين، وهو تدخل في حياتهم الشخصية، ولا أعتقد أن أي نظام يعتبر أنه يقدس الحرية الإنسانية يقبل أن يمنع الآخرين من التصريح بآرائهم الشخصية في أي موضوع. بالمقابل، يمكن أن تؤدي سياسة كم الأفواه ومنع النقاش إلى نتائج من نمط نتائج محاكم التفتيش الأوروبية التي كانت تمنع الناس من التصريح عن اعتقادات تخالف ما يعتقده بعض رجال الدين وأتباعهم، وخير مثال على هذا التهم التي لفقت لغاليليو ولكلولومبوس بأنهم يريدون تقويض أسس المجتمع المسيحي لأنهم جاهروا بمعتقدات لم ترق لرجال الدين الذين كانوا يعتبرون نفسهم معنيين بحماية المجتمع من الأفكار الضارة بنفس الطريقة التي تعامل بها الأستاذ الطباع مع نبيل فياض.
أنا لا أنكر للأستاذ الطباع أن يطالب من يريد بعدم النقاش معه، وأن يغلق عينيه وأذنيه أمام كل الأفكار التي لا تروقه، ولكنني أستغرب تماما أن يطالب بمنع الآخرين من مناقشة أفكار عامة مثل تاريخ الإسلام، حتى ولو لم يكن هو شخصيا معنيا بالنقاش، ولو أن الكلام لم يكن موجها إليه أساسا.
في الماضي، كنت أعتقد أنني يمكن أن أصل إلى نتيجة مع الإسلاميين في موضوع الإعدام (القتل)، معتمدا على أن الإنسان المعاصر يحوي من القيم الأخلاقية ما يمكنه من نبذ كل أنواع القتل مهما كانت الأسباب. وما زلت أعتقد أن هذه النتيجة ممكنة التحقيق في المستقبل، ولكن علينا أولا أن نتفق أنه يحق لي ولأي إنسان في مجتمع الإسلام أن نعتقد بما نريد ونعلن معتقداتنا كما يعتقد الإسلاميون بما يريدون ويعلنون معتقداتهم، وبالمقابل لا ننكر على الإسلاميين أن يناقشوا أيا من معتقداتنا كما يحاولون هم منعنا من نشر رأينا ببعض معتقداتهم.
أنا أعتقد أن النقاش والكلام وإبداء الآراء والجهر بالمعتقدات حق أساسي لكل إنسان، ومجرد ممارسة هذا الحق ليست تعديا على أي قانون أو شريعة ديمقراطية، ولا تخرق أي خط من أي لون. وإذا انزعج أي شخص آخر من أي رأي، أو من حديث شخصين عن موضوع ما، يمكنه بمنتهى البساطة أن يتوقف عن قراءة الحديث أو أن يصم أذنيه، ولكن لا يحق له ولا لأي أحد آخر أن يمنع الناس من الحديث في أي موضوع.
يستطيع محرر نشرة كلنا شركاء أن ينشر ما يريد، ولكنني أطلب منه بصراحة أن يحافظ على شعار نشرته، ويعتبرنا جميعا شركاء في الوطن، حتى لو كانت بعض كتاباتنا لا تروق لبعضنا الآخر، وأتمنى صادقا أن ينتبه إلى أنه يتبنى موقفا يمنع كاتبا من التعليق على حوادث تاريخية وإبداء رأيه الشخصي بها، لمجرد أن هذا الرأي لم يعجب قوما آخرين، وكلي أمل أن تكون هذه آخر حادثة من هذا النوع، وأن تبقى نشرة كلنا شركاء مفتوحة لنا جميعا.
الأيهم صالح
www.alayham.com
وحتى عندما يتعرض المحامي الطباع لهذه الأحداث التي جرت منذ أكثر من 1400 عاما، نجد أنه لا يبدي أي رأي فيها، ولا يعتبر مثلا أنها سلوك لا إنساني بشع ينافي أبسط القيم الإنسانية، بل يحاول منع نبيل فياض من الكتابة عنها وإبداء رأيه بها بدعوى أن مجرد التعرض لها إساءة للوحدة الوطنية ومس بالمقدسات. ويقول بصراحة أنه ليس كاتبا محترفا ليرد على هذه الأفكار، ولكنه يعتقد أن رواية هذه القصص تعتبر مسا بالرسول الذي هو رمز لمئات الملايين من البشر، وهو أيضا قائد عربي له مكانته المتميزة بالنسبة لمعظم العلمانيين وللعرب غير المسلمين. ثم يعود إلى إطلاق التساؤلات الغامضة مثل "لم التعرض إلى مقدسات ملايين البشر دونما كسب محتمل؟" و "لم نخلط بين الديمقراطية والحرية، وبين حرية المس بالمعتقدات الدينية؟"
ويطرح الأستاذ الطباع أمثلة يعتبر أنها غير مفيدة للحوار، ويسرد قصصا أخرى عن العنف والقتل وسفك الدماء التي رافقت حياة الإسلام وحياة أمم أخرى غير الإسلام. ويختم مقاله بالتركيز على ثوابته الأساسية الوطنية، ثم يعود لإطلاق الاتهامات على الأشخاص الذين حاولوا الحوار معه بدون التركيز على الموضوع، فيقول مثلا: " ... رغم أنف من طلبوا مني تعريف الخط الأحمر و هم بتصرفاتهم يكرسون مواقف أعداء الديمقراطية الذين يعتبرون الديمقراطية مدخلاً للفوضى و النزاعات الأهلية, و يمنحونهم هدية تبرر التريث في فتح المنابر الإعلامية لكل المفكرين و المثقفين".
وفي سياق الرد على طروحات الأستاذ الطباع أقر أنني لا أنكر وطنيته ولا وطنية أي مواطن سوري، ولكنني أتساءل عن السبب الذي يدعو الأستاذ الطباع، وهو محام محترف، إلى إطلاق الاتهامات العنيفة التي تدور في فلك تخوين الآخر على الأستاذ فياض، وعلى بعض من ردوا على مقالته، ومنها مثلا اتهام من يطالبه بتعريف مصطلح الخط الأحمر الذي استخدمه في المقالة الأولى أنه يكرس موقف أعداء الديمقراطية.
كما أنني لا أستطيع أن أفهم كيف يكتفي الأستاذ الطباع بالرد على ربط نبيل فياض بين الإسلام والإرهاب أن هناك آخرين في العالم لا يروقونه ويعتقدون بنفس الأمر، بدون أن يكلف نفسه عناء مناقشة هذه فكرة علاقة الإسلام والإرهاب بشكل موضوعي.
إن فهمي للديمقراطية لا يعني أبدا بأي حال من الأحوال مصادرة آراء الآخرين ومصادرة حريتهم في التعبير عنها. بالعكس، أنا أعتقد أن الديمقراطية تكفل لكل الناس حرية الاعتقاد والتصريح عن اعتقاداتهم كما يشاؤون، وتكفل لهم حق ممارسة معتقداتهم علنا. ولذلك فأنا أرى أن من حق من يعتقد أن شق الإنسان إلى نصفين عمل لا إنساني أن يعبر عن اعتقاده بحرية، وبالمقابل يستطيع من يعتبر أن هذا الفعل سنّة يجب الاقتداء بها أن يعبر عن رأيه بنفس الحرية. الديمقراطية برأيي لا تحمي أي رأي من النقاش والتداول، ولا تمنع الناس من مناقشة أي موضوع، وكل الطروحات التي تحاول منع الآخرين من الجهر بآرائهم هي برأيي اعتداء على حرية التعبير، وأنا أعتبر نفسي معنيا بالدفاع عن هذه الحرية بقدر ما يعتبر الأستاذ الطباع نفسه معنيا بالدفاع عن منع تداول ما يعتقد أنه يسيء إلى معتقدات الناس.
إن فرض أي نوع من القيود على المجاهرة بالآراء الشخصية لأي سبب كان هو اعتداء على حق إنساني لبشر آخرين، وهو تدخل في حياتهم الشخصية، ولا أعتقد أن أي نظام يعتبر أنه يقدس الحرية الإنسانية يقبل أن يمنع الآخرين من التصريح بآرائهم الشخصية في أي موضوع. بالمقابل، يمكن أن تؤدي سياسة كم الأفواه ومنع النقاش إلى نتائج من نمط نتائج محاكم التفتيش الأوروبية التي كانت تمنع الناس من التصريح عن اعتقادات تخالف ما يعتقده بعض رجال الدين وأتباعهم، وخير مثال على هذا التهم التي لفقت لغاليليو ولكلولومبوس بأنهم يريدون تقويض أسس المجتمع المسيحي لأنهم جاهروا بمعتقدات لم ترق لرجال الدين الذين كانوا يعتبرون نفسهم معنيين بحماية المجتمع من الأفكار الضارة بنفس الطريقة التي تعامل بها الأستاذ الطباع مع نبيل فياض.
أنا لا أنكر للأستاذ الطباع أن يطالب من يريد بعدم النقاش معه، وأن يغلق عينيه وأذنيه أمام كل الأفكار التي لا تروقه، ولكنني أستغرب تماما أن يطالب بمنع الآخرين من مناقشة أفكار عامة مثل تاريخ الإسلام، حتى ولو لم يكن هو شخصيا معنيا بالنقاش، ولو أن الكلام لم يكن موجها إليه أساسا.
في الماضي، كنت أعتقد أنني يمكن أن أصل إلى نتيجة مع الإسلاميين في موضوع الإعدام (القتل)، معتمدا على أن الإنسان المعاصر يحوي من القيم الأخلاقية ما يمكنه من نبذ كل أنواع القتل مهما كانت الأسباب. وما زلت أعتقد أن هذه النتيجة ممكنة التحقيق في المستقبل، ولكن علينا أولا أن نتفق أنه يحق لي ولأي إنسان في مجتمع الإسلام أن نعتقد بما نريد ونعلن معتقداتنا كما يعتقد الإسلاميون بما يريدون ويعلنون معتقداتهم، وبالمقابل لا ننكر على الإسلاميين أن يناقشوا أيا من معتقداتنا كما يحاولون هم منعنا من نشر رأينا ببعض معتقداتهم.
أنا أعتقد أن النقاش والكلام وإبداء الآراء والجهر بالمعتقدات حق أساسي لكل إنسان، ومجرد ممارسة هذا الحق ليست تعديا على أي قانون أو شريعة ديمقراطية، ولا تخرق أي خط من أي لون. وإذا انزعج أي شخص آخر من أي رأي، أو من حديث شخصين عن موضوع ما، يمكنه بمنتهى البساطة أن يتوقف عن قراءة الحديث أو أن يصم أذنيه، ولكن لا يحق له ولا لأي أحد آخر أن يمنع الناس من الحديث في أي موضوع.
يستطيع محرر نشرة كلنا شركاء أن ينشر ما يريد، ولكنني أطلب منه بصراحة أن يحافظ على شعار نشرته، ويعتبرنا جميعا شركاء في الوطن، حتى لو كانت بعض كتاباتنا لا تروق لبعضنا الآخر، وأتمنى صادقا أن ينتبه إلى أنه يتبنى موقفا يمنع كاتبا من التعليق على حوادث تاريخية وإبداء رأيه الشخصي بها، لمجرد أن هذا الرأي لم يعجب قوما آخرين، وكلي أمل أن تكون هذه آخر حادثة من هذا النوع، وأن تبقى نشرة كلنا شركاء مفتوحة لنا جميعا.
الأيهم صالح
www.alayham.com
التعليقات
مقالة الأستاذ مأمون الطباع
تعليق نشرة كلنا شركاء على مقالة الأستاذ مأمون الطباع
إضافة تعليق جديد