كنت دوماً أقول لطلابي أنه ليس هناك من سؤال في الحياة غير قابل للطرح أو النقاش ومن ثم الموافقة علية أو رفضه من قبل العقل البشري، هذا ما تعلمته منذ سنوات عديدة عندما كنت طالباً في الجامعة الأمريكية في بيروت،
واليوم كان سؤال الأسبوع في منتدى الواشنطن بوست حول الدعارة ومدى السماح بها قانونياً.
وكان قد طلب إلي إبداء رأيي بشأن سوريا،أنا شخصياً لن أدعم ولا بشكل من الأشكال سن قانون للسماح بالدعارة، ولكنني بالوقت نفسه لا أعتقد أنه يمكن إلغاء هذه المهنة كلياً.
فهذه المهنة هي أقدم مهنة في تاريخ البشرية لكسب العيش في العالم وإسقاطها سوف يؤدي إلى تفشيها أكثر في السراديب السرية في بلدان العرب.
عانى الكثيرون في العالم العرب وعبر سنوات عديدة من الحرمان الجنسي، وهذا كان بسبب القيود الاجتماعية، العزلة، سوء التربية والتثقيف، والفقر وغيرها من الأسباب.
ومع أن البعض يرى أن الدين الإسلامي هو سبب الحرمان الجنسي، ولكنني أعارض تماماً هذا الرأي، صحيح أن الدين الإسلامي منع الاختلاط بين النساء والرجال ودعا إلى الاحتشام في اللباس والسلوك، ولكن الدين المسيحي واليهودي دعا أيضاً إلى مثل ذلك.
ولكن الأسباب الأخرى وعلى رأسها العزلة، غياب الثقافة والتعليم، والفقر تقود إلى تشويش نفسي مستمر، ويصبح الناس في العديد من الحالات مهووسين بالجنس بشكله البدائي جداً.
هناك أيضاً العامل الاقتصادي وهو عامل هام جداً: فالنساء يمتهن هذه الحرفة لكسب المال وبسبب الفقر، بينما الرجال ينفقون أموالهم فيها لأنهم غير قادرين على الزواج أو إرضاء رغباتهم بشكل رسمي أو قانوني.
الكثير من الرجال، ممن يعيشون في مجتمعات ذات نسيج انفصالي في الجنوسة في العالم العربي، ينظرون إلى المرأة، أو إلى النساء جميعاً، على أنهم ليسوا سوى أدوات جنسية.
وفي الوقت نفسه تنتشر أفلام الخلاعة والفسق، وتنشر مواقع الانترنت والقنوات الفضائية صوراً مثيرة ومحرضة للخيال والرغبات الجنسية لدى الرجال المحرومين. وليس هناك من سلطة ومهما تكن صارمة قادرة على ضبط أو كبح مثل هذه الثقافة الخاصة السرية.
إن كبت هذه النزعات (كما هو الحال في البلدان الإسلامية) لن يكون فاشلاً فقط بل سيغذي الانحرافات الجنسية الأكثر خطورة.
وأكثر ما أتذكره الآن هو سائق التاكسي الذي ركبت معه عندما كنت شاباً صغيراً، هذا السائق كانت ينعت كل امرأة غير محجبة يقع بصره عليها بالعاهرة.
هذا الرجل كان مريضاً – مريضاً جداً ، ولكن هناك كثيرون غيره مثله في العالم العربي.
إن المشكلة تكمن في غياب التفاعل الجنوسي الصحيح الذي يسمح لمثل هذه العقليات بالازدهار بل ويشوه توازن النشاط الجنسي الصحيح والطبيعي.
كنت دوماً مأخوذاً بمدى الانفتاح الذهني والتطور الذي كان يتمتع به القادة السوريون في بدايات القرن العشرين، عندما كانت الدعارة في الحقيقة مسموحة بشكل قانوني.
وكان معظم هؤلاء القادة من الرجال الأتقياء والورعين وممن تعلموا الدين الاسلامي الصحيح في العهد العثماني في سوريا، وممن يصلون ويصومون ويصونون أركان الاسلام.
وعلى الرغم من ذلك كانون يدركون الحاجة الى ترخيص هذه المهنة التي ستنتشر في سوريا سواء وافقوا عليها أم لم يوافقوا.
وبدلاً من أن تنتشر بشكل سري ووراء الأبواب المغلقة، ارتأوا أنها يمكن أن تكون مسموحة تحت رقابة الدولة.
كانت الدعارة مسموحة قانونياً ومعترف بها كحرفة في ضل الدولة العثمانية ، فقد كان هناك خوف في دمشق من أن يغتصب يعتدي أحد الجنود الجوالين في الشوارع على النساء السوريات الشابات.
لذلك تم تأسيس مراكز للدعارة في دمشق، لتكون شكلاً من أشكال الحفاظ على الأمن العام.
وكان هذا النظام سائداً عندما انهارت الدولة العثمانية عام 1918. ومن ثمّ جاءت الحرب العالمية الأولى حاملة معها ما حملت من دمار وفقر للسوريين مما اضطر النساء السوريات إلى امتهان الدعارة لكسب العيش.
واعتبرت الفترة بين عامي 1914- 1918 أسوأ فترة مرت خلال المائة عام الماضية في تاريخ سوريا.
وعندما قدم الفرنسيون الى سوريا سمحوا بالدعارة بشكل قانوني في المدن الكبرى في سوريا.
وكانت مراكز الدعارة مسجلة في السجلات الحكومية، وتتم حراستها من قبل رجال مسلحين تابعين لجيش الاحتلال الفرنسي، ومعظمهم من السنغال.
وكانت أي امرأة تمسك متلبسة بعلاقة جنسية غير قانونية أكثر من ثلاثة مرات تعتقل وترسل إلى مراكز الدعارة ، وهناك تصبح موظفة رسمية ، وعليها أن تدفع ضرائب للحكومة المركزية وتخضع لفحوصات مرتين في الأسبوع في وزارة الصحة.
في بداية عام 1922 كان هناك 271 مومس مسجلة رسمياً في سوريا.
والسوريون يعرفون أن ارتياد هذه الأماكن أمر خاطئ أخلاقياً واجتماعياً ، وخلال سنوات الانتداب الفرنسي الأولى، كان الزبائن المعتادون على ارتياد تلك المراكز غالباً من الأجانب ورجال الفرنسيين.
وفي عقد الثلاثينات من القرن العشرين أصبح هذا الأمر مألوفاً بالنسبة للرجال السوريين أيضاً. وفي عام 1953 ظهرت أول حركة جدية لمكافحة هذه النزعة على يد الرئيس أديب الشيشيكلي، الذي أصدر قوانين صارمة لمنع الدعارة من التفشي في سوريا.
في عام 1957 تقدمت مجموعة من رجال الدين بطلب الى الرئيس شكري القوتلي ورئيس مجلس الشعب ناظم القدسي يطالبون فيه بإغلاق الملاهي والنوادي الليلية، وأماكن الدعارة الغير قانونية.
وكان كلا القائدين متدينين ولكن الرئيس السوري رد قائلاً "لو حولت لك الأرض إلى بقعة من السماء، فماذا نترك لقدرة الله؟" إن عمل الحكومة لا يقتضي التدخل في حياة المواطنين اليومية وإنما الحفاظ على مراقبتهم طوال الوقت.
وأضاف إن عمل الحكومة هو جمع الضرائب، واستخدامها في توفير الأمن وتحسين معيشة السوريين. ان معاقبة المخلين بالأخلاق ومكافأة الأتقياء هي مهمة الله في الجنة.
وبالنتيجة استمرت تلك النزعة بالنمو في سوريا بينما تم الغاؤها مع عدة أشياء غيرها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 في ظل الجمهورية العربية المتحدة.
وكان القانون رقم 10 هو القانون الذي ألغى مهنة الدعارة ، ومنذ ذلك الوقت وبدلاً من أن تندثر هذه المهنة أخذت بالنمو في السوق السوداء في سوريا وأخذت تشوه عقلية الشباب السوري ، وتحرمه من تفريغ طاقاته بشكل صحيح ،وعلاوة على ذلك، خلقت لديه توتراً استهلاكياً لا داعي له ومؤذياً لنفسيته.
إن هذا المقال، ليس أبداً دعوة للاختلاط أو لحل الأعراف الجنسية، وإنما هو محاولة للاعتراف بوجود المشكلة التي خلقتها وحافظت عليها صلابة العادات والمعايير الأخلاقية الموجودة، ومن أجل إيجاد حل منطقي وإنساني لها.
قد يكون الإسلاميون والمفرطون في احتشامهم الأخلاقي ضد ما كتبته في هذا المقال، ولكنهم في موقفهم هذا يشبهون من يحاول حل المشكلة سراً دون عرضها بشكل حضاري بنية حلها والنظر فيها من منظور إنساني. ان تحليل الدعارة لن يقلل منها بالتأكيد ولكنه سيضعها تحت السيطرة.
سامي مبيض - بوست غلوبال
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=47073
واليوم كان سؤال الأسبوع في منتدى الواشنطن بوست حول الدعارة ومدى السماح بها قانونياً.
وكان قد طلب إلي إبداء رأيي بشأن سوريا،أنا شخصياً لن أدعم ولا بشكل من الأشكال سن قانون للسماح بالدعارة، ولكنني بالوقت نفسه لا أعتقد أنه يمكن إلغاء هذه المهنة كلياً.
فهذه المهنة هي أقدم مهنة في تاريخ البشرية لكسب العيش في العالم وإسقاطها سوف يؤدي إلى تفشيها أكثر في السراديب السرية في بلدان العرب.
عانى الكثيرون في العالم العرب وعبر سنوات عديدة من الحرمان الجنسي، وهذا كان بسبب القيود الاجتماعية، العزلة، سوء التربية والتثقيف، والفقر وغيرها من الأسباب.
ومع أن البعض يرى أن الدين الإسلامي هو سبب الحرمان الجنسي، ولكنني أعارض تماماً هذا الرأي، صحيح أن الدين الإسلامي منع الاختلاط بين النساء والرجال ودعا إلى الاحتشام في اللباس والسلوك، ولكن الدين المسيحي واليهودي دعا أيضاً إلى مثل ذلك.
ولكن الأسباب الأخرى وعلى رأسها العزلة، غياب الثقافة والتعليم، والفقر تقود إلى تشويش نفسي مستمر، ويصبح الناس في العديد من الحالات مهووسين بالجنس بشكله البدائي جداً.
هناك أيضاً العامل الاقتصادي وهو عامل هام جداً: فالنساء يمتهن هذه الحرفة لكسب المال وبسبب الفقر، بينما الرجال ينفقون أموالهم فيها لأنهم غير قادرين على الزواج أو إرضاء رغباتهم بشكل رسمي أو قانوني.
الكثير من الرجال، ممن يعيشون في مجتمعات ذات نسيج انفصالي في الجنوسة في العالم العربي، ينظرون إلى المرأة، أو إلى النساء جميعاً، على أنهم ليسوا سوى أدوات جنسية.
وفي الوقت نفسه تنتشر أفلام الخلاعة والفسق، وتنشر مواقع الانترنت والقنوات الفضائية صوراً مثيرة ومحرضة للخيال والرغبات الجنسية لدى الرجال المحرومين. وليس هناك من سلطة ومهما تكن صارمة قادرة على ضبط أو كبح مثل هذه الثقافة الخاصة السرية.
إن كبت هذه النزعات (كما هو الحال في البلدان الإسلامية) لن يكون فاشلاً فقط بل سيغذي الانحرافات الجنسية الأكثر خطورة.
فعندما تستحوذ الرغبات الجنسية على الرجال دون أن يكون لديهم وسيلة للتفريغ هذه الرغبات، تبرز لديهم أفكار غريبة كأن ينظروا إلى جميع النساء نظرة دون أو ازدراء ، ويصبحون غير قادرين على العمل أو التفكير بشكل صحيح وبالتالي يتأثر نتاجهم والنتاج الاجتماعي ككل.
وأكثر ما أتذكره الآن هو سائق التاكسي الذي ركبت معه عندما كنت شاباً صغيراً، هذا السائق كانت ينعت كل امرأة غير محجبة يقع بصره عليها بالعاهرة.
هذا الرجل كان مريضاً – مريضاً جداً ، ولكن هناك كثيرون غيره مثله في العالم العربي.
إن المشكلة تكمن في غياب التفاعل الجنوسي الصحيح الذي يسمح لمثل هذه العقليات بالازدهار بل ويشوه توازن النشاط الجنسي الصحيح والطبيعي.
كنت دوماً مأخوذاً بمدى الانفتاح الذهني والتطور الذي كان يتمتع به القادة السوريون في بدايات القرن العشرين، عندما كانت الدعارة في الحقيقة مسموحة بشكل قانوني.
وكان معظم هؤلاء القادة من الرجال الأتقياء والورعين وممن تعلموا الدين الاسلامي الصحيح في العهد العثماني في سوريا، وممن يصلون ويصومون ويصونون أركان الاسلام.
وعلى الرغم من ذلك كانون يدركون الحاجة الى ترخيص هذه المهنة التي ستنتشر في سوريا سواء وافقوا عليها أم لم يوافقوا.
وبدلاً من أن تنتشر بشكل سري ووراء الأبواب المغلقة، ارتأوا أنها يمكن أن تكون مسموحة تحت رقابة الدولة.
كانت الدعارة مسموحة قانونياً ومعترف بها كحرفة في ضل الدولة العثمانية ، فقد كان هناك خوف في دمشق من أن يغتصب يعتدي أحد الجنود الجوالين في الشوارع على النساء السوريات الشابات.
لذلك تم تأسيس مراكز للدعارة في دمشق، لتكون شكلاً من أشكال الحفاظ على الأمن العام.
وكان هذا النظام سائداً عندما انهارت الدولة العثمانية عام 1918. ومن ثمّ جاءت الحرب العالمية الأولى حاملة معها ما حملت من دمار وفقر للسوريين مما اضطر النساء السوريات إلى امتهان الدعارة لكسب العيش.
واعتبرت الفترة بين عامي 1914- 1918 أسوأ فترة مرت خلال المائة عام الماضية في تاريخ سوريا.
وعندما قدم الفرنسيون الى سوريا سمحوا بالدعارة بشكل قانوني في المدن الكبرى في سوريا.
وكانت مراكز الدعارة مسجلة في السجلات الحكومية، وتتم حراستها من قبل رجال مسلحين تابعين لجيش الاحتلال الفرنسي، ومعظمهم من السنغال.
وكانت أي امرأة تمسك متلبسة بعلاقة جنسية غير قانونية أكثر من ثلاثة مرات تعتقل وترسل إلى مراكز الدعارة ، وهناك تصبح موظفة رسمية ، وعليها أن تدفع ضرائب للحكومة المركزية وتخضع لفحوصات مرتين في الأسبوع في وزارة الصحة.
في بداية عام 1922 كان هناك 271 مومس مسجلة رسمياً في سوريا.
والسوريون يعرفون أن ارتياد هذه الأماكن أمر خاطئ أخلاقياً واجتماعياً ، وخلال سنوات الانتداب الفرنسي الأولى، كان الزبائن المعتادون على ارتياد تلك المراكز غالباً من الأجانب ورجال الفرنسيين.
وفي عقد الثلاثينات من القرن العشرين أصبح هذا الأمر مألوفاً بالنسبة للرجال السوريين أيضاً. وفي عام 1953 ظهرت أول حركة جدية لمكافحة هذه النزعة على يد الرئيس أديب الشيشيكلي، الذي أصدر قوانين صارمة لمنع الدعارة من التفشي في سوريا.
في عام 1957 تقدمت مجموعة من رجال الدين بطلب الى الرئيس شكري القوتلي ورئيس مجلس الشعب ناظم القدسي يطالبون فيه بإغلاق الملاهي والنوادي الليلية، وأماكن الدعارة الغير قانونية.
وكان كلا القائدين متدينين ولكن الرئيس السوري رد قائلاً "لو حولت لك الأرض إلى بقعة من السماء، فماذا نترك لقدرة الله؟" إن عمل الحكومة لا يقتضي التدخل في حياة المواطنين اليومية وإنما الحفاظ على مراقبتهم طوال الوقت.
وأضاف إن عمل الحكومة هو جمع الضرائب، واستخدامها في توفير الأمن وتحسين معيشة السوريين. ان معاقبة المخلين بالأخلاق ومكافأة الأتقياء هي مهمة الله في الجنة.
وبالنتيجة استمرت تلك النزعة بالنمو في سوريا بينما تم الغاؤها مع عدة أشياء غيرها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 في ظل الجمهورية العربية المتحدة.
وكان القانون رقم 10 هو القانون الذي ألغى مهنة الدعارة ، ومنذ ذلك الوقت وبدلاً من أن تندثر هذه المهنة أخذت بالنمو في السوق السوداء في سوريا وأخذت تشوه عقلية الشباب السوري ، وتحرمه من تفريغ طاقاته بشكل صحيح ،وعلاوة على ذلك، خلقت لديه توتراً استهلاكياً لا داعي له ومؤذياً لنفسيته.
إن هذا المقال، ليس أبداً دعوة للاختلاط أو لحل الأعراف الجنسية، وإنما هو محاولة للاعتراف بوجود المشكلة التي خلقتها وحافظت عليها صلابة العادات والمعايير الأخلاقية الموجودة، ومن أجل إيجاد حل منطقي وإنساني لها.
قد يكون الإسلاميون والمفرطون في احتشامهم الأخلاقي ضد ما كتبته في هذا المقال، ولكنهم في موقفهم هذا يشبهون من يحاول حل المشكلة سراً دون عرضها بشكل حضاري بنية حلها والنظر فيها من منظور إنساني. ان تحليل الدعارة لن يقلل منها بالتأكيد ولكنه سيضعها تحت السيطرة.
سامي مبيض - بوست غلوبال
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=47073
التعليقات
Re: سامي مبيض يكتب عن الكبت الجنسي في سوريا
Re: سامي مبيض يكتب عن الكبت الجنسي في سوريا
إضافة تعليق جديد