زيارتي الأولى للمصرف التجاري السوري

"لا لن نعطيه بطاقة، قولي له هذا"
سمعت الصوت يخاطب محدثتي، الآنسة جمانة، التي اتصلت للتأكد من معلوماتي الشخصية بعد أن قدمت طلب الحصول على بطاقة Visa Electron عبر موقع المصرف التجاري السوري.
كانت أول مفاجأة لي أن من تتصل هي جمانة نفسها، أخبرتني سابقا أنها انتقلت إلى دمشق، ولكن لم أكن أعلم أين تعمل، ولم أتمكن من التعبير عن سعادتي بسماع صوتها حين أتاني هذا الصوت المألوف. قلت لها، أكيد هذا باسم، فباسم كان قد اتصل معي أثناء جلسة ذكريات جمعته مع ياسر في حلب، وأخبرني أنه يعمل في المصرف التجاري.
قالت جمانة، لا، هذا ليس باسم، احزر مين؟ ثم مررت إليه السماعة، وبدأ يحدثني.
وكم شعرت بالخجل حين اضطررت لأسأله: أرجوك، قل لي من يتكلم معي، فأجاب بنبرة حزن وخيبة أمل: نسيت صوتي، أنا كمال.
دعاني كمال لزيارتهم فورا، ورغم أن الدوام قد انتهى عند موظفي الدولة، إلا أنهم في المصرف التجاري يداومون من الثامنة صباحا إلى الثامنة مساءا.
كان مدخل الإدارة العامة للمصرف التجاري مقفلا، فوقت المراجعة انتهى منذ فترة طويلة، وقفت على الباب أنتظر أن يفتح لي أحد، وفعلا فتح الباب من الداخل، ودخلت إلى موظف الاستعلامات الذي قال لي: "السيد أيهم؟ تفضل إلى الطابق العاشر".
في الطابق العاشر وجدت كمال وجمانة بانتظاري، كان استقبالا دافئا وحميما أنساني أنني لم التق بجمانة ولا بكمال منذ سنوات. وتعرفت عندهم أيضا على الكاتب الاقتصادي المميز نضال كرم، وعبرت له عن احترامي لتجربة المركز الاقتصادي السوري، وهو الرأي الذي ذكرته في الصباح خلال محاضرتي عن الإعلام الالكتروني.
تصاعدت وتيرة المفاجآت حين علمت أن وسيم يعمل معهم أيضا، وأنا لم ألتق معه منذ تسعة أعوام، عندما سلمت عليه عرفني ولم أعرفه، ولم يتأخر باسم حتى أتانا بحركته المعهودة عندما يرى صديقا عزيزا في الغرفة، وما لبث الدكتور صلاح أن أطل وقال: "عم تنصح يا أيهم، شو قصتك". ودعاني إلى مكتبه لثلاث دقائق ثمينة جدا بالنسبة لي وله، لأنها سبقت اجتماعا يعقده المدير العام في مكتب الدكتور صلاح.

في المصرف، وفي نفس الغرفة أيضا التقيت المهندسة منار، التي أعرف اسمها من موقعي الشخصي، وبعد أن اعتذر كمال لأن لديه اجتماعا في قسم آخر، دعاني وسيم إلى مكتبه، ثم إلى زيارة غرفة المخدمات، وهي دعوة ثمينة جدا لأن هذه الغرفة من أكثر غرف المصرف سرية وأمنا. وكانت الثواني التي قضيتها على بابها كافية لتشعرني بالرهبة، ثم أخبرني أن لديهم مخبرا خاصا لتجريب كل شيء قبل تشغيله، بحيث لا تتعطل منظوماتهم أبدا عند الترقية، ولا تتأثر بالمقاطعة التي تفرضها أمريكا على المصرف، وعلى سوريا بشكل عام. وخلال توارد الذكريات مرت ذكرى غسان، فاتصلنا لنسلم عليه.
فاجأني كم الحماس الذي وجدته في عيون أصدقائي، وفي نبرة صوتهم، ومواضيع أحاديثهم، وولائهم للمؤسسة، رغم رواتبهم المنخفضة جدا، وشعرت بالسعادة للرضا الذي عبرت عنه جمانة عن عملها، رغم الدوام الطويل. كانوا يتحدثون عن مشاريع وخطط مستقبلية وكأن بيدهم تغيير العالم، وكأنهم لا يعيشون في سورية، وشعرت بحرقة وسيم عندما قلت له: "أنتم لا تصطدمون مع واقع سوريا، أنتم تعملون في بيئة عمل معزولة، ولكن تذكروا أنكم في سوريا، وأن القوانين الاقتصادية هي العائق الأكبر أمامكم." بدا وسيم مستغربا لأول وهلة، واتضح الأمر عندما اتفقنا أن "المدير العام يحميهم من مواجهة الواقع المؤلم، فهو وحده من يواجهه، ويخفي ذلك عن فريقه لكي لا يؤثر على حماستهم للعمل"
انتهت زيارتي بفشل هدفها الأساسي، فالمصرف لا ولن يقدم الخدمة التي أبحث عنها، وسأبقى مجبرا على شراء "دولار الإنترنت" بحوالي 61 ليرة سورية ريثما أحصل على بطاقة فيزا الكترون من مصرف آخر خارج سورية. ورغم كل الجهود التي يبذلها طاقم المصرف التجاري، سيبقى خاضعا للقوانين التي تدفع زبائنه بعيدا إلى المصارف المنافسة.
لا أعرف مدير المصرف، الدكتور دريد درغام، ولم ألتق به في حياتي، حتى أثناء الدراسة، ولكنني متأكد أن لشخصيته دورا كبيرا في رفع معنويات طاقمه. لا بد أنه يخوض كمية هائلة من المعارك الشخصية داخل المصرف وخارجه، ولكنه مع ذلك يبذل كل جهده بمنتهى الإخلاص والولاء لعمله ولمؤسسته. وكم أتمنى لو أن في مؤسسة الاتصالات السورية شخصا مثله.

الأيهم صالح
www.alayham.com
23/8/2005