اتجاهات حديثة في أدب النجاح

اتجاهات حديثة في أدب النجاح

Modern Trends in Success Literature

حاول الإنسان منذ القدم تفسيرالظواهر المميزة التي تبدو له غير طبيعية، أو غير تقليدية، ومنها الذكاء والقدرات المميزة لبعض الأشخاص، وأسرار النجاح الذي حققه من صنعوا التاريخ. وتراوحت تفسيرات الإنسان لهذه الظواهر بين إسنادها إلى قوى غيبية، وبين إسنادها إلى ظروف ومؤثرات محيطة موضوعية أو غير موضوعية. وخلال السنوات الماضية لم يظهر تفسير للنجاح والتميز يمكن صياغته بشكل منهج تدريبي لتخريج، أو إنتاج، بشر مميزين بمقاييس معينة.

ولكن في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي، بدأت تتشكل نواة فكر جديد ينظر نظرة مختلفة إلى التفوق والتميز الإنساني، واعتمد هذا الفكر على استيعاب ونقد خلاصة ما كتبته البشرية خلال 300 سنة حول التفوق والنجاح، أو ما يسمى بأدب النجاح.

جاء اهتمام الغرب بأدب النجاح نتيجة عاملين أساسيين، هما:

o    تعزيز دور النجاح الشخصي والمنافسة في المجتمع الغربي، والذي تجلى في تركيز رجال الإعلام على مشاهير الناجحين في مختلف المجالات، من العلم والتعليم إلى الاقتصاد والصناعة، وإلى الفن والرياضة، ووصولا إلى الجريمة والإرهاب.

o    حاجة المؤسسات العملاقة إلى تطوير كوادرها القيادية والإدارية، فمع توسع الاستثمارات العالمية، ظهرت حاجة ماسة لدى مدراء الشركات العملاقة لتوظيف مدراء فروع يعملون بكفاءة عالية، ولم يعد مدير واحد عبقري يستطيع وحده الحفاظ على شركاته التي توسعت بشكل كبير.

هذان العاملان دفعا عددا كبيرا من العلماء لدراسة النجاح والتفوق الإنساني معتمدين على  تمويل الشركات الكبيرة للبحوث المضنية في هذا المجال. وجاءت النتائج مذهلة فعلا، وأثبتت نجاحها خلال السنوات العشرين الماضية كعلم حقيقي يقدم منهجا تعليميا لصناعة النجاح والتفوق.

 

القيادة والإدارة:

يركز أدب النجاح الحديث على مفهومين أساسيين، هما مفهوما القيادة والإدارة، ويطرحان عددا كبيرا من التعاريف لكل منهما. وقد وجدت أن أبسط تعريف للمفهومين هو التالي:

الإدارة: تنفيذ الأمور بطريقة صحيحة.

القيادة: تحديد الأمور الصحيحة ليتم تنفيذها.

يمكننا أن نتخيل مجموعة من العمال ينشرون غابة، في المقدمة تجد عمال النشر يجزون الأشجار بالمناشير الكهربائية، ويعملون حسب خطط موضوعة لهم من قبل الإداريين. يقوم الإداريون أيضا بتأمين كل مستلزمات العمال، من الطعام إلى قطع غيار الآليات، ويقومون برسم الخطط التفصيلية لكل عملية، ويحرصون على تنفيذ الخطط بأفضل شكل ممكن. ويكونون على تماس مباشر مع عدد كبير من الأشخاص والمهام. أما القائد فهو الذي يتسلق أعلى شجرة ويوجه الإداريين، أو يقول لهم: توقفوا، نحن في الغابة الخاطئة.

يتجلى تطبيق مبادئ القيادة والإدارة بشكل واضح في المؤسسات الكبيرة، خصوصا في أوروبا التسعينات، حيث كان من الشائع أن يقول مدير لمهندس عنده: أنا أدفع لك لتحسب وتحل المسائل، وليس لتفكر بدلا عني، بينما يقول المدير العام لأحد مدرائه المعاونين: أنا أدفع لك لتدير موظفيك بشكل صحيح، وليس لتنقل مشاكلهم إلي.

من الواضح أن الأشخاص الذين ينفذون الأوامر أو يحلون المسائل متوفرون دائما، فهم خريجوا الجامعات الذين حصلوا على بعض الخبرة في عملهم، وهم كثرة ويعانون البطالة ولذلك لا قلق لدى الإدارات على توفرهم.

ولكن كيف تحصل المؤسسة على مدراء جيدين وقادة أذكياء؟

أدب النجاح المعاصر

جاءت الردود على هذا السؤال نتيجة دراسات مطولة ومعمقة على مدى أكثر من ثلاثين عاما، وما زالت مستمرة إلى اليوم. بعض الدراسات شملت دراسة حالات النجاح، وتفصيل طرق تفكير الناجحين اللامعين (نموذج: ديزني وأينشتاين)، وبعض الدراسات قدمت وصفات سريعة للنجاح العام، أو للنجاح في حالات خاصة (مثلا: النجاح في مهن العلاقات العامة، أو المبيعات)، وهناك دراسات أخرى ركزت على تحليل ظواهر النجاح وربطها بمحيطها الاجتماعي.

ساهم في تأليف الكتب في هذا المجال أشخاص ممن يعتبرهم المجتمع ناجحين لامعين، مثل مدراء الشركات العملاقة الذين صنعوا أنفسهم بأنفسهم، والسياسيون البارزون الذين رسموا مستقبل بلادهم وبلدان أخرى، إضافة إلى علماء مختصين.

وبما أن موضوع النجاح الشخصي لم يكن قد أخذ شكل علم حقيقي في ذلك الوقت، فقد ساهم في الكتابة فيه أيضا أشخاص حاولوا نقل بعض أفكار الفلسفات المعروفة إليه.

بسبب الحاجة إلى هذا النوع من الكتب، وبدافع "الحلم الأمريكي" في النجاح والتفوق، أقبل الناس على شراء كتب أدب النجاح خلال الثمانينات والتسعينات بكثافة كبيرة، فأصبح بعض هذه الكتب يتصدر قائمة أفضل الكتب مبيعا في المتاجر سابقا الروايات والكتب السياسية والاقتصادية التي كانت مرغوبة في السابق.

بشكل عام، تنوعت كتب أدب النجاح بشكل كبير قبل أن تصقل في اتجاهين رئيسيين هما:

o    الاتجاه المعتمد على نظريات تحديد الشخصية.

o    الاتجاه المعتمد على نقد نظريات تحديد الشخصية.

نظريات تحديد الشخصية Personality Determination:

ما الذي يجعل شخصا ما كما هو؟ الإجابة التقليدية لهذا السؤال تنسجم مع 3 نظريات أساسية:

  1. الأجداد: فالاستكتلندي بخيل، والانكليزي محافظ، والأمريكي أهوج، والحمصي مرح، والشامي تاجر، والحلبي صناعي، ...
  2. الطفولة: كل ما يحصل مع الإنسان هو انعكاس لتجارب سابقة في مرحلة الطفولة. هذا الاتجاه متأثر بكتابات فرويد وتلاميذه.
  3. المجتمع: فالإنسان نموذج لمجتمعه، والمجتمع يستطيع أن يشكل الفرد كما يريد.

يمكن تمثيل هذه النظريات بالمخطط التالي:

نلاحظ في المخطط أن الشخصية هي نتيجة للمحدد الخارجي (الأجداد والمجتمع) أو الداخلي (تجارب الطفولة، العقل الباطن). وبشكل عام نلاحظ هنا تأثر هذه النظريات بتجربة بافلوف عن الفعل المنعكس الشرطي، والتي يمكن تمثيلها بالمخطط التالي:

لقد رصد العالم بافلوف وجود أفعال غريزية أو لاإرادية تتولد تلقائيا استجابة لمولد داخلي أو خارجي، وأثبت إمكانية توليد هذه الأفعال اللاإرادية بتقليد الباعث الأساسي أو ربطه بباعث آخر.

اتفق العلماء على صحة تجربة بافلوف على الحيوانات، وتم تكرارها على الكثير من الحيوانات، وعلى الإنسان أيضا. وجاء تعميم تجربة بافلوف بشكل نظريات تحديد الشخصية المختلفة استمرارا للنجاح الذي حققته دراسات مختلفة في الطب وفيزيولوجيا الأعصاب ومعالجة الألم.

ولكن ما مدى صحة تعميمات نظرية بافلوف على الشخصية الإنسانية؟

لا شك أن لهذه النظريات قدرا من الصحة، وقد أجرى الروس (السوفييت) تجارب مطولة على هذا النوع من النظريات، وخرجت من عندهم أفكار مدارس المتفوقين ومناهج تحريض الإبداع، وأثبتوا إمكانية تعليم الذكاء في تجاربهم على لعبة الشطرنج وعلى تقنيات الحساب الذهني فائق السرعة.

أما في مجال القيادة والإدارة، فلاشك أن هذه النظريات لاقت فشلا ذريعا، والسبب الأساسي أنها أهملت المواهب الأساسية للإنسان التي تميزه عن الحيوان. لقد كان تطبيق هذه النظرية في محاولات تدريب الكوادر القيادية والإدارية أهم عامل في نقضها وإثبات الحاجة إلى مستوى جديد من التفكير في هذا المجال.

وجاء المستوى الجديد ليقول: "الإنسان يستطيع تحديد شخصيته بنفسه، وتشكيلها كما يريد، بغض النظر عن تراث أجداده، ومهما كانت تجارب طفولته، وعلى الرغم من كل ضغوط مجتمعه" وظهر اتجاهان أساسيان حتى الآن يعتمدان هذا المستوى في معالجة الموضوع هما البرمجة اللغوية الذهنية، ونظرية العادات السبع.

البرمجة اللغوية العصبية Neuro-Linguistic Programming أو NLP

تعني هذه العبارة أن الإنسان يستطيع برمجة جهازه العصبي بلغة معينة. البرمجة هي تشكيل رؤية عن العالم الخارجي، والجهاز العصبي هو الجهاز الذي يدير كل وظائف جسم الإنسان، أما اللغة، فهي وسيلة تواصل بين الإنسان وجهازه العصبي. وممارسة البرمجة اللغوية العصبية هو ايجاد برمجة معينة للاستجابة لأوضاع محددة في العالم الخارجي.

تبدو هذه النظرية كتوسيع آخر لتجربة بافلوف، ولكنها ليست كذلك، فهي تضيف بعدا جديدا إلى تجربة بافلوف هو إدراكها لإرادة الإنسان وقدرته على توليد الباعث وتحديد الاستجابة له، وتدريب نفسه على توليد هذه الاستجابة لهذا الباعث، حتى يصبح الأمر لاإراديا. ولذلك لا يمكن إجمال NLP مع توسيعات نظرية بافلوف. إن NLP منهج مستقل يتقاطع مع تجربة بافلوف في بعض التفاصيل، أما المبدأ فهو مختلف كليا. ويعتمد على فعل إرادي واع يتم تحويله تدريجيا إلى فعل لاإرادي عن طريق برمجة الجهاز العصبي بلغة معينة.

في منتصف السبعينات من القرن الماضي ظهر أول كتاب يحمل اسم البرمجة اللغوية العصبية، وقد وضعه كل من جون غرندر (عالم لغويات) وريشارد باندلر (عالم رياضيات). جاء هذا الكتاب تتمة لأعمال قام بها آخرون، وقد تابع تطويره آخرون أيضا، ومازال تطويره مستمرا إلى يومنا هذا.

يعتبر ممارسو NLP عملهم علما وفنا بآن واحد، ويبدو للقارئ لأول وهلة جيلا ثائرا من علم النفس، ولكن علم النفس رفض الاعتراف به وبتقنياته، وانحصرت تطبيقاته العلاجية في مجال وحيد هو معالجة بعض حالات القلق والألم الخفيف.

ولكن في مجالات تطبيقه الأخرى، مثل تطوير الشخصية، وإتقان الأداء، والتعليم وتربية الأطفال، أثبتت تقنيات NLP نجاحا هائلا، وأصبح اليوم أداة لا غنى عنها في المؤسسات الكبيرة.

الافتراضات الأساسية لـ NLP

يضع NLP مجموعة من المسلمات ويبني عليها نظرياته المختلفة. هذه المسلمات ليست ثابتة، وعددها في تزايد مستمر. ويطلب من ممارسي NLP تحديد المسلمات التي يودون الاعتقاد بها، واستخدام التقنيات التي يرغبون باستخدامها. فيما يلي بعض المسلمات التي أجدها مفيدة لي، وربما تجدون مسلمات أخرى في كتب NLP.

o    الخارطة ليست هي الواقع: الخارطة هي طريقة رؤيتنا للواقع، وهو أمر خاص بنا، أما الواقع فهو مستقل عنا. نحن نتعامل مع الواقع عن طريق خارطة نحن نبنيها له، ولذلك يمكننا تغيير الخارطة لنغير طريقة تعاملنا مع الواقع.

o    العقل والجسم منظومة واحدة

o    إذا كنت تفعل ما اعتدت فعله دائما، فستحصل على ما كنت تحصل عليه دائما.

o    لا يوجد فشل، بل توجد نتائج.

o    إذا لم تعجبك النتائج، عليك أن تغير ما تفعله

o    الخيار أفضل من اللاخيار.

o    الإنسان ليس سلوكه، بل الإنسان يصنع سلوكه، ويستطيع أن يغيره حسب رغبته.

o    معنى خطابك هو النتيجة التي تحصل عليها، وليس ما تقصده أنت.

o    لكل سلوك قصد إيجابي.

o    في كل وقت يختار الإنسان أفضل الخيارات التي يراها متاحة له.

o    يمتلك كل إنسان الموارد التي يحتاجها لفعل أي شيء يريد فعله.

o    إذا كان شيء ممكنا في هذا العالم، فهو ممكن لكل شخص.

o    ليس من الضروري أن تفهم كل شيء لتكون قادرا على استخدام كل شيء.

استراتيجية النجاح:

يعتمد NLP استراتيجية لتحقيق الأهداف التي يرغب ممارسوه بتحقيقها، وتتلخص الاستراتيجية بالمخطط التالي:

تبدأ العملية من تحديد هدف (حصيلة) ينبغي الوصول إليها، لتحقيق هذا الهدف ينبغي إرهاف الحواس لجمع كل المعلومات المتعلقة بها، وبناء عليها يجب اتخاذ الخطوة الأولى وتقييم نتائجها واتخاذ قرار الخطوة التالية على أساسها.

تعني المرونة إيجاد وسائل وطرق وقابليات وخيارات جديدة في كل مرحلة، و إيجاد الموارد اللازمة، ويمكن أن يتم هذا عبر التعلم وتوسيع المدارك، أو عبر تغيير العادات والميول والمعتقدات والقيم والمعايير والسلوك. وتقول NLP بصراحة: إذا كنت تريد الوصول إلى هدف معين، عليك أن تمتلك المرونة في وسائلك، وأن تكون قادرا على تغيير سلوكك وتفكيرك بالشكل الذي يمكنك من الوصول إلى هذا الهدف. أما إذا كانت وسائلك جامدة أو كنت غير قادر على تغيير سلوكك وتفكيرك، فربما تحتاج إلى تغيير هدفك.

المرونة وتغيير الحالة (نموذج مرسيدس Mercedes Model)

تعتبر NLP حالة الإنسان مزيجا تفاعليا من ثلاث مركبات هي السلوك والتفكير والشعور، وترمز لها بالشكل التالي:

يؤدي تغيير أي من مركبات الحالة إلى تغيير في حالة الإنسان. يمكن مثلا تغيير مشاعر الحزن عبر تغيير السلوك، وتغيير التفكير السلبي في حالة اليأس عبر تغيير المشاعر وخلق حالة فرح أو ممارسة سلوك إيجابي فعال.

تشمل NLP تدريبات مكثفة على كيفية الدخول في حالة ما، وعلى كيفية تغيير أحد أو بعض مركبات الحالة لخلق حالة جديدة أفضل من الحالة الأولى، وقد شهدت تجارب مميزة على تأثير تغيير الحالة على الأشخاص.

نموذج لتقنيات NLP: تقنية تبادل المواقع

تستخدم هذه التقنية لحل مشاكل التواصل بين البشر، ولخلق حالة من الألفة والتناغم بينهم. تنطلق التقنية من تحديد الهدف، وليكن "أريد الوصول إلى حالة تواصل ممتازة مع (الآخر)".

تبدأ التقنية من الدخول في حالة تواصل افتراضية مع الآخر، وتخيل وجوده أمام الممارس، ثم تخيل الحديث كله كما يتوقع أن يكون، ومراقبة ردود أفعال الآخر. ثم الوصول إلى تقييم النتيجة التي تم الوصول إليها. بعد ذلك ينتقل الممارس إلى مكان الشخص الآخر ويبدأ الدخول في نفس الحالة ويراقب نفسه وطريقة تواصله مع الآخر، ويراقب ردود أفعال الآخر عليه. ثم يقيم النتيجة.

بعد ذلك يتخيل الممارس نفسه مكان شخص ثالث يحضر الجلسة، ويراقب كلام وسلوك وردود أفعال الطرفين، ويقيم النتيجة التي يحصل عليها.

ثم يعود الممارس إلى مكانه، ويحاول تطوير تواصله مع الآخر اعتمادا على إرهاف حواسه في التجربة السابقة، ويستمر في تكرار التجربة حتى يصل إلى قناعة بقدرته على تحقيق تواصل ممتاز مع الآخر.

تطبيقات NLP

وجدت تقنيات NLP تطبيقات ناجحة في مجالات متعددة، فمنها مثلا:

o    تطوير الشخصية: تساعد تقنيات NLP على الدخول في الحالات الإيجابية، مما يرفع كفاءة الإنسان، كما تساعده على تطوير تواصله مع الآخرين، وتقدم تقنيات متخصصة لتحقيق الألفة وقيادة الآخر والتأثير فيه.

o    تطوير الأداء: تعتمد تقنيات NLP على التعلم والممارسة، وهي أساسا مهارات يتم اكتسابها بالتدريب. بعض التدريبات توجه بشكل خاص إلى تحسين الأداء في أوقات الضغط، وهناك مثلا تدريبات على مواجهة الجمهور، وتدريبات على مواجهة ضغط العمل، وتدريبات على التحكم بالنفس تحت شتى أنواع الضغوط.

o    التربية والتعليم والتدريب: تقدم تقنيات NLP طرقا تساعد في تحسس كيفية تفكير الطلاب، ومعرفة حالات الصدق والكذب، ومراقبة السلوك للتمييز بين حالات التذكر والتخيل. كما أنها تساعد في وضع مناهج التفوق اعتمادا على استراتيجية النجاح.

o    السياسة وقطاع الأعمال: ممارسو NLP متمرسون في التعامل مع الآخرين، ويؤمنون بقدراتهم غير المحدودة على تحقيق كل ما يرغبون به، ولا يتورعون عن تغيير تفكيرهم وسلوكهم وقيمهم لتحقيق الأهداف التي يضعونها لأنفسهم. بشكل عام أغلب الساسة وصناع القرار في الغرب هم ممارسو NLP ويستخدمونها لتحقيق أهدافهم.

نظرية العادات السبع The Seven Habits of highly effective people

ظهرت النظرية أول مرة في كتاب "العادات السبع للناس الأكثر فعالية" لمؤلفه  الدكتور ستيفن كوفي
Stephen R. Covey. الدكتور كوفي متخصص في تخريج الشخصيات القيادية، وقد أسس مركزا متخصصا لهذا الغرض، ومن زبائنه الحكومات الغربية والبنتاغون و250 من أصل أكبر 500 شركة في العالم. تطورت هذه النظرية مع أعمال كوفي نفسه ومساهمات روجر ميريل وريبيكا ميريل خلال السنوات الماضية، وتحول مركز كوفي إلى مؤسسة عملاقة لها فروع في العالم كله، وهي الآن مؤسسة فرانكلين كوفي.

تشترك العادات السبع مع NLP في عدم الإقرار بنظريات تحديد الشخصية، وتطرح عددا من الأفكار الأساسية قبل الدخول في تفاصيل النظرية، ومنها:

o    المرآة الاجتماعية: تشكل المرآة الاجتماعية تلخيصا لنظريات تحديد الشخصية، وتعني أن الإنسان يرى نفسه عبر عيون الآخرين. يشدد كوفي على التأثير السلبي للتأثر بالمرآة الاجتماعية، وتأتي العادات السبع خطوة للتحرر منها.

o    الفعالية: تعني الفعالية توازن الإنتاج مع القدرة على الإنتاج. وتقول أن زيادة الإنتاج لا تتحقق بالضغط على القدرة على الإنتاج، بل بتطويرها. ولهذه الفكرة أبعاد متعددة وتطبيقات مختلفة منها مثلا أن التفاهم والسعادة بين أب وابنه لا يتحقق بالضغط على أدوات التواصل، مثل التهديد أو التقريع أو الإزعاج أو المنع، بل بتقوية التواصل عبر التفهم والصدق والإخلاص مثلا.

o    إدمان الطوارئ: يقول كوفي أن الكثيرين من الناس يعرفون أن فعل شيء ما سيحسن كثيرا من حياتهم، ولكنهم لا يفعلون هذا الشيء حتى يصبح فعله ضروريا، ويسمي هذا إدمان الطوارئ. ويركز كوفي على خطورة إدمان الطوارئ على الحياة ويضع في العادات السبع طريقة للتخلص منه.

o    المبادئ: الإنسان لا يتحكم في الطبيعة، وهناك أمور حتمية في الطبيعة لا تخضع لإرادة الإنسان. يسمي كوفي هذه الأمور الحتمية "المبادئ" ويقول أن الخضوع للمبادئ شرط أساسي لتحقيق السعادة. من المبادئ مثلا مبدأ حتمية المبادئ، ومبدأ العدل أو الإنصاف الذي يبنى عليه القانون، ومبدأ النزاهة الذي يحدد الصدق والكذب، وقانون المزرعة الذي يقول أن الحصاد يأتي بعد الزراعة في الأرض المناسبة وبذل الجهد الضروري ومراعاة الظروف الطبيعية.

العادة الأولى: كن فعالا

تنطلق هذه العادة من إحساس الإنسان بحريته الجنينية التي تولد معه، وتعني أن يتعود الإنسان على عدم السماح للمحددات الخارجية بالسيطرة عليه وتوجيه سلوكه. تنطلق عادة الفعالية من مبدأ صاغه فكتور فرانكل، ويقول المبدأ "بين الباعث والاستجابة تكمن حرية الإنسان في اختيار الاستجابة المناسبة". يقول كوفي أن حريتنا في اختيار استجابتنا تعتمد على مواهبنا الإنسانية الأساسية التي يوضحها المخطط التالي:

يطرح كوفي طريقة عملية للتعود على الفعالية، وهي التركيز على دائرة التأثير دائما. دائرة التأثير هي الأمور التي تؤثر بنا ونؤثر بها، وتقابلها دائرة الاهتمام، وهي الأمور التي تؤثر بنا ولا نؤثر بها. وخطة الفعالية هي توسيع دائرة التأثير على حساب دائرة الاهتمام، ومحاولة تصغير دائرة الاهتمام قدر الإمكان.

تقع مواهب الإنسان وطاقاته وإمكانياته وقدراته في مركز دائرة التأثير، أما آراء الآخرين ورغباتهم والأخطاء التي نرتكبها والماضي والظروف الإقليمية والدولية والمجاعات في بلدان العالم فهي إما في دائرة الاهتمام أو خارجها.

تطبيق العادة الأولى يعطينا إحساسا هائلا بالمسؤولية، نحن مسؤولون عن كل ما يحصل معنا، وسلوكنا وقراراتنا نابعة منا نحن وليس من تأثير الظروف. ولذلك يجب أن نملك القدرة على جعل الأمور تحدث، دون أن نبرر فشلنا أو مشاكلنا بإلقاء اللوم على الظروف أو المشاعر. وإذا سيطرت علينا الظروف فهذا نتيجة قرارنا الواعي بتسليم كل قدراتنا لأمور خارجة عن إرادتنا. وعند تطبيق العادة الأولى، تصبح الواقعية اختيار أفضل استجابة ممكنة في ظرف ما، بدون الاستسلام وترك الأمور تجري على هواها.

أهم وأوضح مثال على خطة الفعالية هو قصة غاندي، فبينما كان سياسيو الهند يعتبرون بريطانيا سبب تخلف الهند، وتتركز سياستهم على مطالبة بريطانيا بالتحسين، كان غاندي يضرب نفسه مثلا ويجعل الناس يقتدون به ويحبونه، وأخذت دائرة تأثيره تتوسع حتى اجتاحت بريطانيا العظمى.

العادة الثانية: إبدأ من النهاية

العادة الثانية هي عادة القيادة، وتنطلق من أن أي جهد مبذول في الإدارة لا يمكن أن يصحح أخطاء القيادة.

لا يعتمد تحقيق الهدف على مقدار الجهد المبذول، بل على مقدار الجهد المبذول في الاتجاه الصحيح لتحقيق الهدف. ومهما كان الهدف، فإن تحقيقه يتوقف على قرار الإنسان ببذل الجهود المناسبة في الوقت المناسب وفي الاتجاه المناسب لتحقيقه.

الكثير منا يسأل، ماذا أريد أو ماذا نريد، وماذا يمكن أن نفعل؟ ولكن منطلق المسؤولية الذي ينتج عن العادة الأولى يخبرنا أن هذا السؤال موجه إلينا نحن، علينا نحن أن نعرف ماذا نريد، وماذا يجب أن نفعل لنحقق ما نريده. باختصار، العادة الأولى تقول: أنا المبرمج، والعادة الثانية تقول: لأكتب البرنامج.

تقترح العادة الثانية طريقة للبداية من النهاية، وهي كتابة رسالة الإنسان في الحياة، ومراجعتها باستمرار. كما تضع خطة مفصلة للبداية في كتابة رسالة الحياة.

العادة الثالثة: ضع الأهم أولا

بعد أن يكتب الإنسان برنامجه في العادة الثانية، يجب تنفيذ البرنامج، وهذه هي مهمة العادة الثالثة. تنطلق العادة الثالثة من مصفوفة الزمن، وهي تقاطع الأمور المهمة أو غير المهمة مع الأمور المستعجلة أو غير المستعجلة.

غير مستعجل

مستعجل

الزمن

2- أمور مهمة غير مستعجلة

1- أمور مهمة مستعجلة

مهم

4- أمور غير مهمة غير مستعجلة

3- أمور مستعجلة غير مهمة

غير مهم

يمضي أغلب الناس أغلب وقتهم في المربع الأول، وهو ما يسميه كوفي بإدمان الطوارئ، ومن النشاطات التي يمارسها الناس عادة في هذا المربع الاستجابة إلى الأزمات أومعالجة الكوارث أو المشاكل الضاغطة، أو تنفيذ المشاريع والأعمال يجب تسليمها فورا أو استحق وقت تسليمها مسبقا. ونتائج الحياة في هذا المربع ليست جيدة أبدا، لأن المربع الأول يضع الإنسان تحت ضغوطات متواصلة وحرق أعصاب، ويجعله متمرسا في إدارة الأزمات نتيجة المحاولة الدائمة لإطفاء الحرائق الدائمة الاشتعال.

غالبا ما ينسحب الإنسان مرغما إلى المربع الثالث، ويضطر إلى أداء أمور مستعجلة ولكنها غير مهمة، مثل بعض المقاطعات أو المكالمات الهاتفية، أو البريد أو التقارير التي يجب مراجعتها، أو بعض الأمور الضاغطة غير المهمة، وأحيانا بعض النشاطات العامة. وعند قضاء وقت طويل في المربع الثالث تصبح النتائج خطرة جدا، مثل إدارة الأزمات المستمرة، وعدم التركيز، والاهتمام بالسمعة وآراء الآخرين، وتسخيف الأهداف والتخطيط، وقد تصل إلى شعور بالذنب وعدم الرضى نتيجة العلاقات الهشة أو المقطوعة مع الآخرين.

وتحت ضغط نشاطات المربعين الأول والثالث ينتقل الإنسان مرغما إلى المربع الرابع، ويمارس نشاطات من شاكلة لعب الورق أو التسكع وتضييع الوقت، أو الحديث عن مشاكل الآخرين أو حول الأمور التي تقع خارج دائرة الاهتمام. ونتيجة هذه الحالة قاسية جدا، مثل عدم الشعور بالمسؤولية، والبطالة أو فقدان العمل إن كان موجودا، والاتكال على الآخرين في الأمور الأساسية، إضافة إلى إحساس عام بالفشل. وقد تصل النتائج إلى إدمان التدخين أو الكحول أو المخدرات.

وتحت ضغط الأمور المستعجلة (الطوارئ) ينسى الناس الأمور المهمة غير المستعجلة التي تقع في المربع الثاني، مثل التخطيط ودعم القدرة على الإنتاج، ومنع حدوث الكوارث، وبناء العلاقات، والبحث عن فرص وآفاق جديدة. إن إعطاء الوقت الكافي لنشاطات المربع الثاني يحقق نتائج إيجابية مثل امتلاك رؤيا واضحة للذات والمستقبل، إضافة إلى الإحساس بالتوازن والنظام والسيطرة، مما يؤدي إلى أزمات أقل، وبالتالي تحرير وقت المربع الأول والمربع الثالث.

يطرح كوفي طريقة عملية لإيجاد وقت لنشاطات المربع الثاني، وقد فصل هذه الطريقة في كتابه الثاني الذي عنونه "الأهم أولا"، تعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على التخطيط القيادي بعيد المدى، ثم على التنظيم الإداري قصير المدى، وعلى عدد من المهارات والأدوات الخارجية، وقد صاغها في خطة من 6 خطوات:

  1. حدد أدوارك الأساسية اعتمادا على رسالتك في الحياة.
  2. حدد الأهداف المرحلية والمباشرة لكل دور.
  3. ضع برنامجا زمنيا لتحقيق أهداف كل دور.
  4. ادمج البرامج كلها في برنامج زمني على أساس أسبوعي.
  5. نفذ البرنامج الأسبوعي.
  6. قيم أداءك.

الانتصارات الفردية والانتصارات الجماعية:

يؤدي تطبيق العادات الثلاثة الأولى إلى تحسينات هائلة في حياة الإنسان ونظرته إلى نفسه، ويعطيه شعورا كبيرا بالثقة والتوازن والنظام، كما يوضح له رؤيته إلى المستقبل. وهو ما يسميه كوفي بالانتصارات الذاتية.

العلاقة مع الآخرين ومع المجتمع هي محور العادات الثلاث التالية، وتطبيقها يؤدي إلى الانتصارات الجماعية. ترتكز العادات الرابعة والخامسة والسادسة على مسلمات التواصل الإنساني التي يمكن تلخيصها بالبنود التالية:

•    النظرة إلى المشكلة هي المشكلة

•    لا نستطيع حل المشكلة بنفس نمط التفكير الذي أوجدها.

•    الحلول السريعة وهم خادع.

•    الحلول الخارجية غير ناجعة.

•    التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل إلى الخارج.

•    أول خطوة لتغيير العالم هي تحقيق انتصاراتنا الشخصية في تغيير أنفسنا.

•    التمرد عمل عاطفي يجب الرد عليه بتقديم ودائع متتالية من الحب غير المشروط.

•    مشاكل الإنتاج هي فرص لتطوير المقدرة على الإنتاج

يركز كوفي في كتاب العادات السبع أيضا على فكرة الحساب المصرفي العاطفي، فهو يشبّه الثقة المتبادلة بين البشر بحسابات مصرفية عاطفية، تزداد الثقة بإيداع ودائع في الحساب العاطفي مثل الاحترام واللطف والنزاهة والالتزام، ويمكن أن تنقص كثيرا نتيجة سحوبات من نوع عدم الاحترام، العجرفة وتأليه الذات، الخيانة وعدم الالتزام، الحكم الظالم أو التهديد، الاعتراف بأخطاء الآخرين. ويطرح كوفي طريقة لاكتساب الثقة تتلخص في ستة نشاطات متكاملة:

•    تفهم الآخر.

•    الالتفات إلى الأمور الصغيرة التي قد تعني كثيرا للآخر.

•    الحفاظ على الالتزامات مهما كانت صغيرة.

•    توضيح التوقعات.

•    إظهار التكامل الذاتي، وعدم التأثر بالمرآة الاجتماعية.

•    الاعتذار بنزاهة عن الخطأ.

العادة الرابعة: فكر بالنجاح للجميع

يقسم كوفي في كتاب العادات السبع أنماط سلوك الأفراد وتفكيرهم تجاه الآخر إلى عدة أقسام:

1.    النجاح ـ النجاح: لنحاول أن نستفيد سوية. هذا النوع من التفكير هو الدافع الأساسي للنجاح الاقتصادي في الغرب، ويعني التركيز على المصالح المشتركة وتجاهل نقاط الاختلاف.

2.    النجاح ـ الفشل: إذا نجحت أنا ستفشل أنت، في هذا النوع يصبح فشل الآخر جزءا من النجاح، وهو السلوك الذي تجده في الحروب والخلافات عند انخفاض مستوى الثقة في الحساب العاطفي.

3.    الفشل ـ النجاح: إذا فشلت أنا سيكون هذا نجاحا لك. هذا النوع من السلوك يعطي دافعا للمقاومة والدفاع وعدم الاستسلام، وهو شائع عند الضعفاء الذين لا يريدون نجاحهم بقدر ما يريدون فشل الآخرين.

4.    الفشل ـ الفشل: عليّ وعلى أعدائي، نمط تفكير خطر جدا يدفع الإنسان لتجاهل كل القيم والمصالح مقابل تسبيب الفشل للآخرين، حتى لو دفع ثمنا غاليا قد يكون أكبر من الثمن الذي يدفعه الآخرون.

5.    النجاح: ليتدبر الآخرون أمورهم كما أتدبر أموري. هذا النوع من التفكير هو التفكير الشائع في السياسة، حيث يريد الكل مصلحته، ولا يلقي بالا للآخرين سواء نجحوا أو فشلوا.

6.    النجاح ـ النجاح أو لا اتفاق. هذا النوع من التفكير هو النوع الذي يوصي به كوفي، لأنه يعني وديعة أساسية في الحساب العاطفي، ويعني في جوهره اعتماد منهج النجاح ـ النجاح دائما، وعدم الانتقال إلى أي منهج آخر تحت أي ظرف، وحتى لو لم يرغب الآخر بالنجاح ـ النجاح.

يحدد كوفي شروطا لإمكانية قيام اتفاقات النجاح ـ النجاح، ويقترح وسائل وأساليب للوصول إلى هذا النوع من الاتفاقات، ويشجع الناس على التعامل دائما مع أشخاص يمكن أن تقوم معهم هذه الاتفاقات.

تعرضت نظرية كوفي لانتقادات حادة بسبب توصيته باتباع طريقة "النجاح ـ النجاح أو لا اتفاق" واتهم في الغرب أنها غير ممكنة دائما، وقد تؤدي أحيانا إلى خسارة فرص مهمة، ولكن كوفي استمر في إصراره عليها، ودافع أن هذه الطريقة ضرورية جدا للوصول إلى حالات التناغم التي تحقق المعجزات.

العادة الخامسة: حاول أن تفهم أولا

التواصل هو المهارة الأهم في الحياة، وعدد كبير من مشاكل البشر سببه سوء التواصل. وبما أن التشخيص هو الخطوة الأولى في علاج أية مشكلة، يكون الاستماع للفهم أول خطوة للمساعدة على إزالة أية مشكلة تواصل.

يقترح كوفي طريقة من أربع مراحل للتدرب على الاستماع الفعال، وقد طبقتها في الكثير من الحالات، ومنها حالة لقائي مع ألماني في بداية الستينات عملت معه مؤخرا، وأخبرني أنه سيسافر إلى أفغانستان ليعمل في تأهيل البنية الإدارية التحتية في البلد. وسأحاول أن أطبق المراحل الآربعة على حواري معه:

1.    مرحلة التقليد: تعني تكرار العبارات والسؤال عن بعض التفاصيل، مثلا: كيف ستسافر وأين ستقيم.

2.    مرحلة إعادة إنشاء المحتوى: وفيها يعيد المستمع صياغة الموضوع من أساسه، مثلا "إذا شركتكم وقعت عقدا مع الحكومة الأفغانية وأنت تنفذ جزءا منه"

3.    مرحلة انعكاس الشعور: يعلن فيها المستمع انطباعاته ويراقب ردود الأفعال، مثلا: أنت تحب أن تعمل في البلدان النامية وتساعد شعوبها.

4.    مرحلة إعادة إنشاء المحتوى مع انعكاس الشعور: وهي المرحلة الأخيرة، وفيها دمج المرحلتين السابقتين، مثلا: إذا أنت هنا في سوريا وستذهب إلى أفغانستان لأنك تحب أن تساعد الناس وتترك أثرا طيبا.

يأتي الرد: صحيح أنهم يدفعون لي، ولكن يمكنني أن أعمل مديرا لشركة في ألمانيا، وأكسب أكثر. فعلا أنا أحب أن أساعد الناس وأن ألتفت إلى الماضي فأجد الناس الذين ساعدتهم في كل هذه الأماكن يذكرونني بالخير وقد نجحوا في المشاريع التي شاركت فيها. إن هذا يعطيني معنى أكبر لنهاية حياتي.

العادة السادسة: التناغم

يعني التناغم أن الكل أكبر من مجموع الأجزاء، أي أن نتيجة عملنا سوية أفضل من مجموع نتائج عمل كل منا وحده. يمكن التناغم من تحقيق نتائج عجائبية من نمط النجاح ـ النجاح اعتمادا على إيجاد الحلول التي تثمن الاختلافات، وتستفيد من مواهب وإمكانيات كل فرد من الأفراد الذين يشاركون في التناغم. يقول كوفي أن التناغم هو الاختبار الحقيقي لكل العادات الأخرى.

ينجح التناغم عادة بين الأشخاص الذين حققوا انتصاراتهم الشخصية، يعتمد على عاملين أساسيين هما الثقة والتعاون. المخطط التالي يوضح علاقة الثقة والتعاون مع أنماط سلوك الأفراد تجاه بعضهم.

 العادة السابعة: سن المنشار

يروي كوفي قصة رجل يحاول نشر شجرة ضخمة، وبعد بذل جهد كبير يقترب من الوصول إلى هدفه في نشر الشجرة، ولكنه يتعب كثيرا ويتثلم منشاره. يختار الرجل الاستمرار في نشر الشجرة باستعمال المنشار المثلم، بدلا من أخذ قسط من الراحة وسن المنشار، فيعجز عن إنجاز العمل ويضطر للراحة وسن المنشار.

ويطبق كوفي هذه القصة على عملية تطبيق العادات الست السابقة، فبدون شك يعتبر النجاح في تطبيقها نجاحا كبيرا على المستوى الشخصي والمستوى الاجتماعي. يعتمد هذا النجاح على جهود طويلة يبذلها الإنسان عبر فترات طويلة، وأهم أداة لهذا النجاح هي الإنسان نفسه. والفعالية التي تعني توازن الإنتاج مع القدرة على الإنتاج تتطلب العناية بالإنسان نفسه لضمان تحقيق الانتصارات.

يحدد كوفي 4 حاجات أساسية للإنسان، ويفصل في كتابه "الأهم أولا" ضرورة إشباع هذه الحاجات الإنسانية بشكل حقيقي وبالاعتماد على المبادئ الطبيعية، وليس على وهم الحلول السريعة وخداع الحلول الخارجية:

الخداع

الحقيقة

 

لا يمكن تغيير الصحة البدنية بأساليب خداع الآخرين، ولا بأساليب الحلول السريعة.

تعتمد الصحة البدنية على المبادئ، فهي تتحسن مع العناية الدائمة والرياضة والغذاء الجيد

الحاجات المادية

أوهام الامتلاك وأحلام الربح السريع لا تحسن الحالة المادية

تعتمد الحالة المادية على المبادئ، فهي تتحسن بالاجتهاد والادخار واغتنام الفرص

الجاذبية الشخصية والادعاءات الكاذبة والمظهر والكلام المعسول لا تبني علاقات اجتماعية جيدة

تبنى العلاقات الاجتماعية على المبادئ، وتتطور بتعزيز الثقة والالتزام والمشاركة والاستماع لفعال

الحاجات الاجتماعية والعاطفية

السيطرة والتحكم والكلام المعسول والهدايا لا تخلق حبا طويل الأمد

يعتمد الحب على المبادئ مثل الكرامة والعطاء وال تناغم وتثمين الاختلافات

الشهادة العلمية والتفاخر والادعاءات الكاذبة لا تحقق مجدا عقليا.

يعتمد العقل على المبادئ، وخصوصا قانون المزرعة وقانون النمو

الحاجات العقلية

الحلول الناجعة غير موجودة إلا في الأحلام

التفكير وإيجاد الحلول ممارسات تعتمد على المبادئ

المرآة الاجتماعية تحدد المشاعر.

الرضى الذاتي شعور ينبع من الداخل ويفيض إلى الخارج

الحاجات الروحية

أنا أتصرف وفق أسلوبي الذي أحدده أنا وأفرضه على العالم

الضمير موهبة إنسانية كامنة وتحتاج للتدريب، وهي التي تمكننا من التمييز بين الحق والباطل

العادة السابعة هي إشباع هذه الحاجات، ويمكن تمثيلها بهدف الحياة الأساسي الذي يحدده كوفي في بداية تابيه "العادات السبع" و "الأهم أولا" وهو "أن أحيا، أن أحب، أن أتعلم، أن أترك أثرا طيبا".

يقول كوفي أن النقص في إشباع أي من هذه الحاجات قد يتحول إلى ثقب أسود يمتص كل بصيص ضوء في حياة لإنسان. أما إشباعها كلها، والتناغم بينها، فسيؤدي إلى تفجير الطاقات الكامنة في الإنسان.

التكامل بين NLP والعادات السبع

تقدم البرمجة اللغوية العصبية أدوات مميزة لتحقيق إنتاج هائل في عدد من المجالات، وتركز في ذلك على تدريب الممارسين على إحداث التغييرات المناسبة في سلوكهم وقيمهم بهدف تحقيق أهدافهم. إن اتباع هذه الطرق قد يدفع الممارس إلى ارتكاب أمور لا يقبلها في الحالة الطبيعية لتحقيق هدف معين.

بالمقابل، قد يكون الهدف الذي يسعى إليه الممارس مؤقتا، ويكلفه تضحية كبيرة بأمور لها قيمة كبيرة عنده، خصوصا إذا اكتشف يوما ما أنه يضع السلم على الحائط الخاطئ.

لكي يتجنب ممارس NLP هذا الخطر، يمكنه أن يكتب رسالته في الحياة، ويعتبر أن تقنيات NLP هي أدوات تساعده على تحقيقها، وبهذا يصبح الهدف الأساسي هو تحقيق رسالة الحياة، والذي قد يكون من شاكلة هدف كوفي "أن حيا وأحب وأتعلم وأترك أثرا طيبا". وهكذا يحاول ممارس NLP تطويع تقنياته لتحقيق أهدافه البعيدة بدون المغامرة بخسارتها لتحقيق أهداف مؤقتة قد تكون مضرة أو خاطئة.

أما ممارسو العادات السبع، فلهم في الغالب حد أدنى من الأخلاق لا يخترقونه مهما كانت الظروف، فهم دائما يفكرون بالربح للجميع، ويسمعون الآخرين ليفهموهم، ويبحثون عن التناغم معهم، كما أن أهدافهم وطريقة حياتهم منسجمة مع مبادئ الطبيعة الأساسية مثل مبدأ الإنصاف ومبدأ النزاهة وقانون المزرعة. ولكنهم بدون شك يحتاجون إلى تقنيات NLP المهمة في بعض الأوقات مثلما يحتاجها أغلب الناس.

يبدو لنا تكامل NLP والعادات السبع واضحا نتيجة حاجة ممارسي كل منهما إلى الآخر، ولكن للآسف لا توجد حتى الآن مدارس تدرس التقنيتين بشكل متناغم، وقد يكون السبب أنهما علمان جديدان لم توضع أسس تعاونهما بعد بشكل جيد حتى الآن.

خاتمة

يقول كوفي "قد تقولون: أنت لا تعرف ما يجري في المجتمع الذي نعيش فيه، وأنا أقول لكم: هل تعرفون مقدار القوة الكامنة بداخل كل منكم؟"

أكبر مثال عن هذه القوة الكامنة هو غاندي، لقد ركز غاندي على قوته الكامنة، وسخرها ليوسع دائرة تأثيره حتى أصبح قوة جبارة سلاحها الوحيد هو دائرة التأثير. وقد لخص غاندي قصة حياته بعبارة رائعة "في البداية يتجاهلونك، ثم يضحكون عليك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر".

أعتقد أن بداخل كل منا من القوة ما يمكنه من أن يفعل مثل ما فعله غاندي، علينا أولا أن نبحث في داخلنا، وفي أعماقنا عن مكامن القوة، وعلينا أيضا أن نكتب رسالتنا في الحياة، ونستخدم الطرق المناسبة لتحقيقها بحيث ننسجم دائما مع مبادئ الطبيعة. هذه العملية ليست خلقا للقوة، بل هي إيجاد أو إيقاظ لها.

بعد سقوط بغداد الأخير أطلق كاتب عربي كبير صيحة مؤلمة تقول "أليس لدينا غاندي؟" أعتقد أن كلا منا مؤهل ليكون غاندي مجتمعه ، وأعتقد أيضا أن البحث عن غاندينا يبدأ من أعماقنا، لأننا جميعا نملك مقوماته، وهنا ستساعدنا كثيرا أفكار أدب النجاح.

الأيهم صالح

التعليقات

ابن مكرم

شكراً على اتاحة هذه المحاضرة و بقية الكتابات المهمة. و لكن عندي ملاحظة بسيطة :
نظريات تحديد الشخصية Personality Determination: ما الذي يجعل شخصا ما كما هو؟ الإجابة التقليدية لهذا السؤال تنسجم مع 3 نظريات أساسية: · الأجداد: فالاستكتلندي بخيل، والانكليزي محافظ، والأمريكي أهوج، والحمصي مرح، والشامي تاجر، والحلبي صناعي، ... · الطفولة: كل ما يحصل مع الإنسان هو انعكاس لتجارب سابقة في مرحلة الطفولة. هذا الاتجاه متأثر بكتابات فرويد وتلاميذه. · المجتمع: فالإنسان نموذج لمجتمعه، والمجتمع يستطيع أن يشكل الفرد كما يريد.
أعتقد أن الأمثلة على الأجداد ليست مناسبة، فما فهمته أنا من الأجداد أنها تشير للناحية الوراثية الجينية (ابن اينشتاين، حفيد بدوي الجبل إلخ) أما الأمثلة المأخوذة من مدن و بلدان معينة فلا أعتقد أنها تنطبق هنا، و بالأخص أن المثال (أمريكي) ليست له خلفية وراثية (أجداد) معينة. وشكراً مرة أخرى على مقالاتك المهمة شادي مكرم حجازي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.