مقالة مميزة: صناعة "برمجيات" سورية! صعوبات منذ البداية

مقالة ممتازة للمهندس وسام طويلة نشرت في ملحق مجلة TMAG. المهندس وسام طويلة هو المدير العام لشركة لوجيتيكا سورية.
====================

صناعة "برمجيات" سورية! صعوبات منذ البداية

كان مما يدعو للفخر والسعادة مؤخراً، ظهور مهارات وجهود سورية لافتة للنظر في مجال تطوير البرمجيات والسعي نحو تحقيق إنجازات تنقل سوريا نوعياً في عالم صناعتها. ولا نبالغ عندما نبدأ بالحديث عن صناعة "برمجيات" سورية جادة يحاول المبرمجون السوريون البدء بوضع حجر الأساس لها. لا سيما في الأشهر الأخيرة، حيث بدى حماس جلي بين مصممي ومطوري البرمجيات السوريين (كاختصاص) وخاصة الشباب تجاه البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر، ومتابعة أخبار هذا القطاع الذي يبدو أنه سيكون مستقبل هذه الصناعة (إن لم يكن جزءاً كبيراً من حاضرها الآن). ورأينا دعماً من جهات مهتمة على عدة مستويات رسمية وطلابية وتخصصية وتجارية. قد يكون لكل من هذه الجهات والمؤسسات ومجموعات العمل رؤية خاصة حول مستقبل هذه الصناعة واستراتيجية التقدم فيها وطرق توجيه المهارات للبدء في تحويلها إلى واقع متين، ولكن أموراً لا خلاف عليها تبقى القواعد الأساسية و مفاصل الارتباط بين جميع هذه الأعمال والجهود للاستفادة منها إلى الحد الأقصى في اجتياز المراحل بأسرع وقت ممكن حتى يصبح لسوريا موقعها في عالم راحت كل دولة أو مجموعة دول فيه تصنع برمجياتها "بيدها".

لعل أفضل وسائل تطوير خبرات جديدة بسرعة هو نقل الخبرات الموجودة حالياً، التعلم منها، والإفادة منها كقاعدة للإضافة وبناء الخبرات الحديثة عليها، بدل البدء من جديد في (إعادة اختراع العجلة). وللأسف كان العالم حتى وقت ليس ببعيد معيقاً لعملية نقل الخبرات هذه، من خلال قيام كل صاحب فكرة أو نتاج فكري أو علمي (كأفراد أو كشركات) بتسجيلها تجارياً لنفسه، والاحتفاظ بها لاستثمارها مادياً بصرف النظر عما يسببه ذلك من حد لقدرات تطوير الخبرات العالمية، واحتكار للعلم والمعرفة بحجة أن صاحب الفكرة هو صاحب الحق الوحيد باستثمارها تجارياً وجني الأرباح ( التي كانت فاحشة في كثير من الأحيان) جراء بيعها أو تأجيرها للآخرين كمنتج معد للاستهلاك الشخصي، محظور الاطلاع على طريقة صنعه أو إعادة بيعه أو حتى إعارته للآخرين، لا بل حتى ترميم العيوب وتصحيح الأخطاء الموجودة فيه.

لم يستطع الكثيرون تبني هذه النظرية القائمة على نسبة الأرباح في نتاج علمي كمقياس لأهميته والعمل على تطويره وتبنيه، وظهرت سريعاً توجهات الحرية العالمية في نقل الخبرات والمعارف والعلوم التي يفترض بالإنسان أن يكون قد طورها لمصلحة البشرية عامة، ولم يكن هؤلاء أقل شأناً علمياً من أصحاب النظرية الأولى، ولم يخسروا كسب عيشهم في النظام الجديد الذي أثبتوا فيه أنهم قادرون على العمل والتعلم والتفاعل فيما بينهم وفوق ذلك كله تحقيق مشاريع ناجحة تجارياً في عدة أشكال وصور، كونت -وفي زمن قياسي- ما يمكن أن يقال فيه (بأقل تقدير) بأنه منافس للجهود الاحتكارية أو التملكية الهادفة للربح فقط. هذا إن لم نأخذ بعين الاعتبار الشركات التي أصبحت تحس بالذعر نتيجة لانتشار هذه الفلسفة، والأخرى التي حسمت أمرها في التوجه نحو هذه المنتجات الحرة بالدعم والإنتاج والاستخدام على حد سواء.

يقول ريتشارد ستولمان والذي إليه يعود جل الفضل في إيجاد هذه الفلسفة "من حسن حظ سوريا أنها بادئة للتو في تطوير مجتمع وصناعة تقنية المعلومات فيها، مما يجعل أمر الانعتاق من شركات البرمجيات الاحتكارية الكبرى سهلاً للغاية، من خلال البدء فوراً باعتماد البرمجيات الحرة في هذا التطوير". ستولمان الذي أرسى مؤسسة البرمجيات الحرة لتأخذ على عاتقها نشر هذه الفلسفة ودعمها والتوعية فيها والمساعدة في سبل تبنيها حول العالم، زار سوريا وقال أنه يؤمن بإمكانية بناء صناعة "برمجيات" سورية لها وجودها الدولي قريباً في حال قام المطورون والطلاب وصناع القرار السوريون المتحمسون -والذين رأى الكثير منهم حوله في ورشة عمل البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في دمشق- باعتماد هذه الفلسفة التي تمكنهم من النهل من نتاج عالمي ضخم في صناعة وتطوير البرمجيات التي أثبتت جدارتها وأحرزت مكانتها البارزة في العالم، والتواصل مع الملايين من خيرة المطورين حول العالم أجمع لتبادل ونقل الخبرات والإنجازات المحققة حتى الآن والاستفادة منها في دفع العجلة السورية في هذا المضمار بشكل سريع وواف ومفيد والأهم أنه حر (وفي كثير من الأحيان مجاني).

 

لن أستطيع هنا أن أراهن -شأني شأن الكثيرين- على أن صناعة كهذه في سوريا يمكنها الظهور إلى العالم واحتلال مرتبتة تذكر أو حتى ترى، في حال بدأ المطورون السوريون الآن بإعادة إنجاز كل شيء منذ البداية، ولا أتكلم عما نملك من قدرات، فعامل الوقت لن يكون في صالحنا حتى نرى النتائج على أي حال.

يقال أن الانتقال إلى كل مرحلة جديدة توصف بأنها "تاريخية" تعترضه عدة مشاكل وصعوبات سواءاً كانت في إقناع جميع الأطراف باتخاذ القرارات "التاريخية"، أو في البدء بالتطبيق وتنفيذ هذه القرارات.
لا أظن أن مرحلة ظهور صناعة البرمجيات السورية الموثوقة إلى النور وإثبات كفاءتها في العالم أقل من أن توصف بـ"التاريخية"، ولا أعتقد أن نسبة المعارضين محلياً لأن تمتلك سوريا صناعة البرمجيات الخاصة بها وأن تستخدم برمجياتها المصممة من قبل مطورين سوريين خصيصاً لها هي الغالبة من حيث المبدأ. أما بخصوص فاعلية هذا التوجه وضرورة البدء في التطبيق، فيمكننا النظر إلى تقرير أعده خبيران من مؤسسة البرمجيات الحرة في أوروبا خصيصاً حول خيارات سوريا في التوجه نحو صناعة برمجيات محلية، وضرورة إفساح المجال وإتاحة جميع الأدوات اللازمة للسير في عملية التطوير. كارين كوسينا وغاريث باوكر كانا ممن زار دمشق للمشاركة في ورشة عمل البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في آذار الماضي، أقتبس من تقريرهما أولاً ملحق المبررات الاقتصادية لاعتماد سوريا على البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في بناء صناعة البرمجيات الخاصة بها، وهو يعرض للخيارين الوحيدين المتاحين أمامها. جاء في التقرير:

* من المتوقع أن تصبح سوق تقنية المعلومات العالمية بحجم 917 مليار يورو عام 2005. بالنسبة لصناعة تقنية المعلومات السورية، ستكون حيازة نسبة صغيرة من هذا الرقم تعزيزاً ضخماً للاقتصاد السوري. وفيما يلي توضيح للمبررات الاقتصادية لبناء صناعة كهذه اعتماداً على البرمجيات الحرة بدلاً من البرمجيات التملكية:

البرمجيات التملكية:
خيار دعم صناعة البرمجيات التملكية متاح، لكن هذه البرمجيات لا تأتي عادة مع الشيفرة المصدرية -مخططات البرنامج- لذا فالمطورين لن يكونوا قادرين على تفحص الشيفرة أو تطويرها بأي طريقة مجدية. لذلك ستكون الشركات السورية محدودة بدعم نسخ إعداد من البرنامج أو إنشاء توسيعات له (إضافات) في نطاق ضيق جداً. كما توجد إمكانية التعامل مع شركات أخرى خارج سوريا، وسيكون معظم العمل في دعم برمجيات موجودة سلفاً، ما يعني أن صناعة تقنية المعلومات السورية ستصبح معتمدة في وجودها على صانعي البرمجيات التملكية.
الأثر بعيد المدى لذلك هو أن سوريا ستصبح مستهلكاً للبرمجيات التملكية وليست مطورة لصناعة البرمجيات ذاتية الدعم الخاصة بها.

تجب أيضاً ملاحظة أن تسعة من شركات صناعة البرمجيات العشر الكبرى في العالم هي شركات أمريكية، ما يبدو أنه سيسبب المتاعب على المدى البعيد. لقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سورية تمنع تصدير معظم مكونات وبرمجيات الحاسب إليها من الولايات المتحدة الأمريكية.
ما زال الكثير من البرمجيات يتم امتلاكها الآن في سوريا دون الاكتراث لمعاهدة حقوق الطبع والنشر العالمية، ولكن ابتداءاً من أيار 2004 أصبحت سوريا من الموقعين على اتفاقية برن (للأعمال الأدبية والفنية)، وتلزم هذه الاتفاقية سوريا بتطبيق حقوق الطبع والنشر على هذه المنتجات البرمجية والتراخيص التي تحكم استخدامها. لذلك يمكن استخدام كل قطعة من البرمجيات التملكية فقط في حال كانت مرخصة بشكل كامل. الأكثر من ذلك، أنه حتى في حال كان شراء هذه التراخيص ممكناً (من إحدى الدول المجاورة على سبيل المثال) فإن الدعم الذي ستحصل عليه سوريا بسبب هذه العقوبات سيكون في الحدود الدنيا، إن لم يكن معدوماً.

البرمجيات الحرة
الخيار الآخر هو تطوير مجتمع برمجيات حرة في سوريا. بهذه الطريقة يمكن لمطوري البرمجيات السوريين البناء على أعمال من بحيرة عالمية من حزم البرمجيات الحرة، وتطويرها لتناسب احتياجات العمل السورية المباشرة، حاصلين على الربح المادي مقابل هذا العمل، بينما يتعلمون خبرات جديدة في الوقت ذاته.

استخدام البرمجيات الحرة يبقي سوريا ضمن التزاماتها تجاه معاهدة برن. المستخدمون متحمسون جداً لاستخدام برمجيات بدون قيود على الاستخدام، ويمكنهم إعادة توزيعها كما يريدون بشكل قانوني بالكامل. الكثير من البرمجيات الحرة مطورة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن الحظر على البرمجيات يطال البرمجيات الحرة إلى درجة أدنى بكثير. كما توجد المئات من الشركات خارج الولايات المتحدة ترغب على المدى القريب بتزويد سوريا بالدعم اللازم بينما تبني هي مجتمع تطوير البرمجيات الحرة الخاص بها.

بتنمية مجتمع تطوير للبرمجيات الحرة في سوريا، سيكون الناس قادرين على تعلم مهارات تطوير واسعة تمكن سوريا من القفز على عالم البرمجيات التملكية الحالي وأن تصبح لاعباً أساسياً في أسواق البرمجيات الجديدة. هذا سيرفع أيضاً من شأن سوريا باعتبار أن الناس حول العالم سيتفاعلون مع مطوري البرمجيات السوريين ويعرفون المزيد عن البلد والناس. وبالنظر إلى صورة سوريا الحالية في الغرب، سيكون هذا أمراًً جيداً للغاية.*

أرى شخصياً أن الخيار الثاني سيكون الأسرع والأجدى وحتى الأوفر إن كنا نسعى فعلاً لإطلاق شركات برمجيات سورية عالمية قريباً. لكن يبدو أن مرحلة تاريخية تقنية كهذه تواجهها صعوبات ومعوقات من نوع آخر. فمن أهم الأسئلة التي يمكن أن تطرحها الآن وأنت تقرأ هذه الأسطر في حال كنت مبرمجاً أو مطور برمجيات، أو طالباً يفكر في المستقبل التقني، أو صانع قرار أعجبتك الفكرة كمشروع استثماري، أو حتى متابع عادي لأخبار سوريا لا سيما التقنية منها، هو "ماذا يلزمنا للبدء؟" والحقيقة أن الإجابة ستكون أبسط مما تتخيل -ولعلها تبادرت إلى ذهنك- وهي "شبكة الإنترنت". لن ندخل هنا في دراسات وإحصائيات يمكننا بدونها التأكد من أن الإنترنت أصبحت أضخم وأوسع وأسرع وأجدى طريقة للحصول على المعلومات والبيانات والأهم هنا هو تبادلها. لكن دراسة تظهر أن 18 في المائة من عائلات دمشق وريفها فقط تتمكن من الدخول إلى الإنترنت على أن حوالي 46 في المائة منهم يملكون حاسباً شخصياً في المنزل، تجعلنا نتساءل إلى أي مدىً تستفيد هذه العائلات عملياً من الشبكة العالمية؟ وإذا كان السؤال المنطقي هنا هو "لماذا؟" لا تنتشر الإنترنت عندنا في كل بيت كما في الكثير من دول العالم، فسنجد أن 32 في المائة من العينة المدروسة أعادت ذلك إلى "تكلفة الدخول المرتفعة"، والأغرب نسبة من 12 في المائة أعادت ذلك إلى "عدم توفرها" إما لأسباب تقنية أو ربما فنية.

قد يكون انتشار استخدام الشبكة العالمية في سوريا وجدواه وطرق تحسينه، موضوع بحث بحد ذاته، لكن ماذا لو عرفت نسبة الـ 18 في المائة التي تملك الإنترنت في المنزل، ونسبة الـ 97 في المائة من الشركات التي تملك اتصالاً بالإنترنت، أن ما نحتاجه هنا -في حديثنا عن إنترنت تستخدم لصناعة البرمجيات- هو ليس ما يملكون الاتصال به حالياً؟

لنعود إلى الشق التقني في تقرير كوسينا-باوكر حول احتياجات صناعة البرمجيات التعاونية حول العالم، لا سيما أن هذا التقرير أعد خصيصاً للحالة السورية، ويركز على بعض احتياجات هذه الصناعة في دولة كسوريا بالذات، جاء في التقرير:

* حتى تاريخ كتابة هذا المستند يوجد مزودي خدمة إنترنت اثنين (ISPs) في سوريا. يمنع كلاهما الوصول إلى معظم الإنترنت، من خلال السماح بالوصول إلى الشبكة "العنكبوتية" العالمية فقط
(World Wide Web –WWW-).
ومع أن الشبكة (WWW) هي جزء هام جداً من "الإنترنت" للكثير من الناس، فإن مجتمع تطوير تقنية المعلومات العالمي يعتمد في الغالب على خدمات أخرى في الإنترنت. هذه الخدمات هي حجر الأساس لأدوات المشاركة التي تستخدم في مشاريع تقنية المعلومات الموزعة.

مجتمع البرمجيات وصناعة تقنية المعلومات السورية القائمة والمستقبلية:
لفهم أهمية هذا التقييد، دعونا نلقي نظرة سريعة على كيفية عمل تطوير البرمجيات الموزع:

تطوير البرمجيات الموزع
يشجع مفهوم البرمجيات الحرة استخدام حزم البرمجيات الحرة الموجودة والبناء عليها عوضاً عن (إعادة اختراع العجلة) لكل مشروع جديد. وإمكانية الوصول إلى حزم البرمجيات الحرة الوفيرة هي واحدة من الفوائد الرئيسية لتطوير هذه البرمجيات. يوجد عدد من الأدوات المستخدمة من قبل مجتمع البرمجيات الحرة العالمي للوصول إلى شيفرة البرمجيات ومشاركتها فيما بين المطورين.

CVS نظام الإصدارات المتداخلة (Concurrent Versions System)
الأداة الأساسية المستخدمة للوصول إلى الشيفرات المصدرية هي CVS، نظام إدارة وتنصيص الشيفرة المصدرية، وهي تمكن عدة أشخاص من العمل على قطعة من برنامج في الوقت ذاته. هذه الأداة مستخدمة في الواقع في جميع مشاريع البرمجيات الحرة، وعدد كبير من المشاريع غير الحرة أيضاً.

يحتاج المطور الذي يستخدم قطعة من برنامج حر في كثير من الحالات إلى الحصول على أحدث نسخة من هذه الحزمة والتي تحتوي آخر التحسينات و الإصلاحات. الطريقة الأسهل للحصول على هذه النسخة هي CVS، ولكن هذا غير ممكن حالياً في سوريا حيث أن هذه الخدمة محجوبة.

من الممكن في بعض الحالات الالتفاف على خدمة CVS في حال كانت محجوبة، باعتبار أن بعض الحزم تسمح بالتحميل من خلال الدخول عبر الشبكة WWW. ولكن غالباً ما بجري المطور تعديلات على حزمة البرامج التي يستخدمها. دمج هذه التحسينات والإصلاحات في المشروع الأصلي هو ليس فقط طريقة للمساهمة في البرمجيات الحرة، ولكن له أيضاً فوائد عملية هامة: فدمج التعديلات في البرنامج الأصلي يعني عدم توجب إعادة إجراء هذه التعديلات عند إصدار نسخ جديدة من البرنامج. إن CVS حاجة ملحة لإرسال (تحميل) هذه التعديلات.
الوضع الحالي لخدمة CVS: محجوبة

SSH بروتوكول القشرة الآمنة (Secure SHell)
الوصف الوارد في الفقرة السابقة هو تبسيط مفرط لتطوير البرمجيات الحرة التعاوني، فعادة لا تستخدم CVS مباشرة لإرسال الشيفرة المصدرية. بل يستخدم المطورون أداة أخرى بالترابط مع CVS وهي SSH. كل من CVS و SSH ضروري للمشاركة في المشاريع، ولكن SSH هي أيضاً أداة هامة بحد ذاتها.

إن SSH هي طريقة للاتصال بشكل آمن مع مخدم آخر، وهذا مهم بما أن الاتصالات عبر الإنترنت غير مباشرة، فعندما تتصل بحاسب معين، يتم توجيه الاتصال عادة عبر عدة تجهيزات أخرى على الطريق لا تملك أنت التحكم بها. هذا يعني أنه من الممكن لأي من هذه التجهيزات المجهولة التعرض لبياناتك.
الأداة الأوسع استخداماً للتواصل الآمن في مشاريع تطوير البرمجيات الموزع هي SSH، أي أن عدم القدرة على استخدام SSH يجعل المشاركة غير ممكنة.
الوضع الحالي لخدمة SSH: محجوبة*

وعليه فإننا حتى ولو كنا ننوي فعلاً البدء ببناء صناعة برمجيات سورية، فالمطورون هنا لا يملكون بعد أبسط وأهم الأدوات الأساسية للبدء في هذه الجهود، ومع أنها ستكون مضنية لهم على أي حال، فإن حجب الوسائل أصلاً لن يكون راحتهم، طالما أنه سيؤدي إلى إحباط هذه الجهود وقتلها في مهدها. لا بل مما قد يدعو إلى التشاؤم حالة اليأس التي وصل إليها بعض المطورين الشباب من أن يصبح بإمكانهم الإسهام في عمل جماعي عالمي يؤدي إلى شحذ قدراتهم وزيادة خبراتهم وإضافة وطنهم الأم إلى قائمة الدول المتقدمة تقنياً والقادرة على التصدير أو المكتفية ذاتياً في مجال التطبيقات الحاسوبية على الأقل. أما نتائج هذا اليأس فليس أقلها هجرة هؤلاء العقول إلى بعض الدول المجاورة -وأحياناً بعيداً- لمجرد أنهم يحلمون بامتلاك الوسائل.

وإذا كانت تنبغي مراعاة "حساسية" الحالة السورية، وحرج إتاحة جميع خدمات الإنترنت للمشتركين (على أنه لا توجد إيضاحات مفهومة حول هذه الحساسية)، وإن كان يجب ألا نطالب بفتح جميع الأبواب على العالم، فأرى ألا مانع من إتاحة الخدمات الضرورية لتطور الصناعة الوطنية، فإن لم يكن لجميع المشتركين فليكن للمطورين والجهات الراعية لهذه الجهود والمؤسسات التعليمية التي يفترض بها أن تكون أول من يبادر إلى الأخذ بزمام حركة تحرير سوريا من سيطرة شركات البرمجيات الاحتكارية العالمية التي تستنزف الناتج الوطني وتسيطر على جميع التطبيقات المستخدمة في المؤسسات الحكومية منها والخاصة.

يقول ريتشارد ستولمان "عليكم منذ الآن تعليم أبنائكم في المدارس على استخدام البرمجيات الحرة كي يعتادوا التعامل الحر مع تطبيقات الكمبيوتر وتنمو لديهم روح المشاركة والتعاون للحصول على ما تحتاجه البلاد، بدل أن يصبحوا مستهلكين معتادين على البرمجيات التملكية التي تربي فيهم روح الأنانية والاحتكارية، والتي تجردهم من جميع قدراتهم على التطوير والإبداع".

كم ستكون هذه النظرة المتفائلة إلى جيل المستقبل ذات مغزى، لو أن المؤسسات التربوية تسعى بجد إلى بناء جيل خلاق حري به أن يحرز مكاسب تقنية عالية في عالم يبدأ المبرمج أو المطور فيه بالتكون منذ عقده الأول. ولكن إذا كانت نسبة مستخدمي الشبكة العالمية الذين يدخلون إليها من "مكان الدراسة" في سوريا هي 13 في المائة فقط -معظمهم لا يملكونها في المنزل-، في حين الغالبية العظمى من الطلاب يدخلون إلى الإنترنت من مكان الدراسة (أو عن طريق الشبكات شبه المجانية المتاحة للطلاب) في معظم دول العالم -ومعظمهم يملكونها في المنزل-، فإن هذا سيقودنا إلى بحث آخر حول البنية التحتية التكنولوجية وسبل توسيعها وإتاحة خدماتها "للجميع".

ولنأخذ التوصيات (كعادتنا) ممن كان بها خبيرا، وننظر إلى تقرير كوسينا-باوكر حول ما يلزمنا الآن وفوراً حتى نتمكن من مساعدة المطورين السوريين في الانضمام إلى مجتمع المعلومات التعاوني العالمي. يقول التقرير:

*خاتمة وتوصيات:
"الوصول إلى (تقنية المعلومات والاتصالات ICT) غير كاف، إنها إمكانية الإبداع، إضافة قيمة، هذا هو المهم" فيليب غونثالث، رئيس الوزراء الإسباني السابق.

كما ذكرنا سابقاً، فإن CVS و SSH هي من بين الأدوات الأساسية المستخدمة في مشاريع تقنية المعلومات الموزعة، على الأخص في جميع مشاريع البرمجيات الحرة تقريباً، ولكن أيضاً في أغلب التعاون العالمي في قطاع تقنية المعلومات.
عدم إمكانية الوصول إلى هذه الأدوات يجعل من الصعب جداً، وعلى الأغلب من المستحيل للسوريين أفراداً وشركات المشاركة في مشاريع كهذه. لا يمكن لسوريا أن تؤسس نفسها كلاعب أساسي في سوق تقنية المعلومات نتيجة للقيود المفروضة على اتصالات الإنترنت الوطنية فيها.

بناءاً على خبرة كل منا كمطورين برمجيات حرة ومحترفين في تقنية المعلومات، نوصي بما يلي:

الأمثل هو السماح بالوصول إلى جميع الخدمات في شبكة الإنترنت.
تجب الإشارة أيضاً إلى أن هنالك الكثير من الخدمات المختلفة الهامة للمشاركة، وعدم امتلاكها يجعل من الصعب على المطورين السوريين الانضمام إلى هذه المشاريع. من الأمثلة البارزة أدوات الاتصال المتنوعة مثل (IRC، التراسل الفوري، VoIP) والتي لم تتم مناقشتها في هذا التقرير مطلقاً.
ولكن في حال وجود أسباب تجعل من غير المعقول السماح بالوصول إلى جميع خدمات الإنترنت، نريد أن ننصح كخطوة أولى بالسماح بالدخول إلى البوابات التالية كحد أدنى (حسب ترتيب الأهمية):
- البوابة 22 (SSH)
- البوابة 2401 (CVS)
- البوابة 21 (FTP)
- البوابة 443 (HTTPS)*


ومع إضافة السماح باستخدام بعض الخدمات البدائية الأخرى التي قد لا يكون حجبها وارداً إلى ذهن كل من كوسينا وباوكر -كخدمات برامج البريد الإلكتروني-، أعتقد أنه سيكون هناك ما يدعو المهتمين وأعضاء قطاع تقنية المعلومات في سوريا إلى التفاؤل، والبدء برسم خطط جديدة لمستقبل قادم في هذه الصناعة، التي يميزها في سوريا كونها شتلة فتية يمكن غرسها الآن في تربة لم تكن يوماً أخصب مما هي عليه اليوم، مليئة بالموارد والمكونات اللازمة لنموها حتى يفيد منها الجيل الحالي ورسوخها حتى تستفيد منها الأجيال القادمة. ولكن حتى هذا الغرس يجب أن يتم قبل فوات الأوان.

وسام طويلة
wissam@tawileh.net

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.