نص محاضرة ألقيت بدعوة من الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية يوم الأربعاء 30 حزيران في مدرج مشفى الأسد باللاذقية.
تنطلق المحاضرة من تعريف المفاهيم الأساسية مثل المتغيرات وطرق قياسها والتأثير فيها، وتقترح تعريفا لعملية التطوير بشكل عام، ثم تركز على محاولة تطوير مدينة اللاذقية عبر التركيز على عدد من المجالات مثل الاقتصاد والثقافة والسياحة والتعليم، وتحاول صياغة خطة للتطوير في هذه المجالات عبر التركيز على متغير واحد هو سمعة المدينة، ومحاولة التأثير عليه لتحسينه. تتم مناقشة أهمية سمعة المدينة لكونها قياسا للرأي العام الداخلي والخارجي، وصدى لكل ما يحصل في المدينة، وعامل أساسي في تطويرها، ثم تقترح المحاضرة عددا من الخطوات التي يمكن أن تساهم في تحسين سمعة المدينة باستخدام وسائل التقانة، ومنها مثلا مواقع الإنترنت، والاستبيانات الالكترونية، والملتقيات الثقافية والعلمية، وغيرها.
نقصد بالمتغير أي شيء يمكن أن نقيسه، أي نعبر عنه برقم، ويمكن أن تتغير قياساته بمرور الزمن.
لنفرض أن لدينا مجموعة من المتغيرات
تعبر عن جزء من واقع مجتمعنا، بعض هذه المتغيرات سلبي وبعضها إيجابي من وجهة نظر كل منا. ولنفرض أن لدينا وسائل لقياس هذه المتغيرات والتعبير عنها بواسطة أرقام، وأننا نقيس هذه المتغيرات، ونراقب تغير قياساتنا لها بمرور الزمن. وهكذا نأخذ فكرة عن التغير الذي يجري بمرور الزمن على بعض النواحي السلبية والإيجابية في مجتمعنا.
يعبر الإحصاء عن تغيرات المتحولات بشكل خطوط بيانية تشبه الشكل التالي
نعتبر أن متغيرا ما يتطور في إحدى الحالتين التاليتين:
ونعتبر أن متغيرا ما يتخلف في إحدى الحالتين التاليتين:
تقاس سرعة التطور أو التخلف بتغير الفرق بين القياسات في نفس الفترة الزمنية، وفي الشكل السابق، إذا كانت القياسات مأخوذة في نفس الفترة الزمنية، يمكننا تقدير سرعة التطور بالمخطط التالي
هنا نجد أن المتغير تطور بسرعة في المرحلة الثانية (قياس 2-قياس 3)، ثم انخفضت سرعة تطوره في المرحلة الثالثة (قياس 3-قياس 4).
ونقصد بالتطوير مجموعة الأعمال التي نقوم بها لنجعل متغيرا ما يتطور بأكبر سرعة ممكنة.
لكي نتمكن من القيام بالتطوير بأفضل شكل ممكن، يجب أن نوفر مجموعة أساسية من المتطلبات:
ولكي نتمكن من تطوير أي متغير، يمكن أن نفكر بالخطوات التالية
هذا إذا أردنا التطوير، لا أعتقد أن المجالات تنقصنا في مدينتنا، فهي كثيرة جدا، ولا يمكن أن تحيط بها هذه الصفحات،
ويمكن أن أقترح عليكم كمثال تطوير المجالات أساسية:
قد تظهر هذه المجالات كبيرة جدا، ولا يمكن لشخص واحد أن يؤثر فيها، وهذا صحيح لأول وهلة، ولكن ماذا لو كانت بيد كل منا أدوات تقنية متطورة تمكنه من زيادة تأثيره؟ وماذا لو تعاون مجموعة من الأشخاص يملكون أدوات تقنية قوية لتطوير هذه المجالات؟ ألا يمكن أن يحققوا نتائج جيدة؟
لا أعرف الجواب على هذا السؤال، لأننا لم نجرب بعد، ولكنني مصمم على معرفة الجواب، ومحاضرتي هذه موجهة أساسا لكل شخص مستعد لبذل بعض الجهد لأنه مهتم بمعرفة هذا الجواب.
يمكننا أن نبدأ بهذه المجالات واحدا واحدا، ونحاول قدر الإمكان أن نركز على مجالات التطوير التي يمكن أن يؤثر فيها أي منا، نعم أي منا.
يمكننا أن نختار عددا من المتغيرات في مجالات التعليم والسياحة والاقتصاد، منها مثلا عدد المنشآت السياحية أو عدد الحفلات الفنية التي تقدم شهريا أو عدد العاطلين عن العمل في أحد الأحياء. الأمثلة متعددة ومتنوعه، ولا يمكن التركيز عليها كلها، ولذلك سأكتفي باختيار مجموعة من المتغيرات تشترك في كونها تعبر عن "سمعة" مجال ما، وليكن الجامعة. من هذه المتغيرات مثلا:
والأمثلة متعددة على متغيرات السمعة.
اخترت التركيز على سمعة كل مجال من المجالات لأن كلمة "السمعة" بالنسبة لنا تعادل كلمة "الرأي العام" في مجتمعات أخرى، فالرأي العام يعتبر مقياسا حساسا وشديد الأهمية لتقييم النشاطات والفعاليات التي تتعلق بالمجتمع، ويبدو لي أن الجامعة تتأثر بالمجتمع وتؤثر فيه كثيرا، كما أن الاقتصاد لاعب أساسي في كل المجتمعات، بما فيها مجتمعنا، أما الثقافة والسياحة، فهي مجالات عريقة جدا في مدينتنا، ولا شك أن لها صلة قوية بالمجتمع.
جرت العادة في مجتمعنا أن لا يعطى الرأي العام أي دور، ولم ألاحظ خلال السنوات الماضية أية محاولة حقيقية وعلمية لقراءة الرأي العام في أي موضوع، باستثناء الجهود المشكورة التي يقوم بها الصحفيون في تحقيقاتهم التي تطال عينات صغيرة جدا في العادة، والتي تهدف لكتابة مقال صحفي أكثر مما تهدف لقياس الرأي العام.
يعتبر علم الإحصاء أهم أداة من أدوات قياس الرأي العام، وأدوات علم الإحصاء مفيدة جدا في هذا المجال، مثلا لا يمكن الاستغناء عن الاستبيانات والاستفتاءات الحقيقية التي تنفذ وفق أصول علم الإحصاء في قياس الرأي العام حول قضية معينة.
يمكننا مثلا تطبيق أدوات الإحصاء في قياس سمعة جامعة تشرين بالنسبة لطلابها، وذلك باستخدام صيغة رياضية بسيطة كما يلي:
لتكن قياس السمعة المطلوبة، والتي تعتمد على مجموعة من العوامل لكل منها أهميته التي يعبر عنها برقم صحيح . يمكننا أن نقيس العوامل عبر توجيه أسئلة مخصصة لهذا الهدف إلى عينة إحصائية نختارها بعناية أو بشكل عشوائي حسب موضوع الدراسة. وبنتيجة الأسئلة نحصل على رقم ما يعبر عن قياس كل عامل، فنقوم بتوحيد مجال القياسات عند قيمة واحدة (مثلا 10 أو 100).
بعد الحصول على القياسات كلها، نضرب كلا منها في أهميته، ونحسب المجموع فنحصل على معامل يعبر نوعا ما عن القياس، ولكي يكون معاملنا أكثر دقة نقسمه على مجموع أهميات كل العوامل، فنحصل على قياس لا يتأثر بعدد العوامل المختارة، وإذا قسمنا الناتج على الحد الأعلى لقياس العوامل نحصل على قيمة يمكن التعبير عنها بنسبة مئوية.
إذا أجرينا هذه العملية بشكل متكرر يمكن أن نصل إلى جدول بياني نعتبر أنه يمثل تغيرات سمعة الجامعة بالنسبة لطلابها.
وإذا اعتبرنا أن قياس سمعة الجامعة بشكل عام هو مجموع مركب من عدد من القياسات واحد منها سمعتها لدى الطلاب، ولكل قياس أهميته، وطبقنا نفس المعادلة يمكن أن نحصل على قياس يعبر عن السمعة العامة للجامعة، ويمكن أن نراقب تغيراته مع الزمن.
أعتقد أن هذا القياس مؤشر جيد على أداء الجامعة لأنه يعكس الرأي العام لشرائح مختلفة من الناس جميعهم على تماس مع الجامعة بدرجات مختلفة. وأية خطة تطوير في الجامعة تستطيع أن تستفيد من المعلومات التي توفرها مثل هذه الدراسة بشكل كبير.
الطريقة السابقة إحدى الطرق التي يمكن اتباعها لقياس السمعة، وهي الأسهل لأنها مجرد حساب وسط حسابي لعوامل مع أخذ أهميتها بعين الاعتبار، ويمكن صياغة معادلات أكثر دقة تعبر عن السمعة، مثلا يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار أن السمعة السلبية مؤثرة أكثر كثيرا من السمعة الإيجابية، فنعطي العوامل ذات القيمة الأكبر أهمية أقل، أو نصوغ معادلة خاصة للسمعة السلبية تشمل فقط أسوأ خمسة أو عشرة قياسات في الدراسة.
في المثال السابق طرحت الجامعة كمثال لا أكثر، ويمكن تطبيق نفس الطريقة على كل فعالية أو مؤسسة في المدينة.
وإذا أعددنا دراسة مشابهة عن نواحي أخرى في المدينة، يمكننا أن نعرف مجالات تميز مدينتنا، وأن نكشف المشاكل التي قد لا تبدو واضحة للوهلة الأولى، ويمكننا أيضا أن نضع خطة لتطويرها عن طريق التأثير على كل عامل من العوامل المؤثرة على سمعة المدينة.
كما يعتبر الرأي العام مقياسا عالميا لوضع كل مجتمع، يمكننا أن نعتبر سمعة مدينتنا مقياسا لوضعها، فعندما تكون سمعة المدينة جيدة، يرغب الناس بالحياة أو الاستثمار فيها، وعندما تكون السمعة سيئة، يحاول الناس الابتعاد عنها.
فإذا وجدنا رأيا عاما يقول "لا توجد فرص عمل في هذه المدينة" تجد الشباب يرغبون في الهجرة للبحث عن فرص عمل في أمكنة يعتقد الرأي العام أن العمل متوفر فيها.
السمعة الجيدة للمدينة تؤثر على نفسية الناس، ويمكن أن تولد لديهم إحساسا بالفخر أو حتى بالسعادة لوجودهم فيها. بالمقابل، سمعة المدينة السيئة قد تسبب خجل كل مواطن عندما يذكر عنوانه في رسالة.
السمعة الجيدة للمدينة في مجال ما تساعد على جذب الاستثمارات، مثلا سمعة هوليوود ساعدت على جذب شركات الإنتاج السينمائي، وسمعة وادي السيليكون ساعدت على جذب شركات التقانة. وعندما تبدأ الاستثمارات بالقدوم، تزداد السيولة في يد الناس، وتزداد فرص العمل، فيتنشط الاقتصاد.
السمعة السيئة للمدينة تؤدي إلى نفور الاستثمارات، ويمكن أن تؤدي أيضا إلى تناقص الخدمات في المدينة عبر ابتعاد شركات الخدمات عنها.
في سوريا نعرف أن حلب مدينة صناعية، ولذلك فالمشتري مستعد لشراء منتج مصنوع في حلب أكثر من شراء منتج منافس له مصنوع في دمشق.
وسعر زيت الزيتون القادم من إدلب أغلى من سعر زيت الزيتون القادم من الساحل، و هو مرغوب أكثر حتى في المدن الساحلية.
وفي الماضي كان نبيذ محردة مشهورا بجودته، وكان سعره عاليا جدا، وللأسف فقدت محردة هذه الميزة ولكنها ظلت معروفة بتميزها في إصلاح الآليات الثقيلة، ويتقاضى معلمو الإصلاح فيها الأسعار الأغلى على الإطلاق.
الفرق المسرحية والفنية تختار المدن التي تعرف بجمهور ذواق للثقافة، ولا تغامر بالعرض في أمكنة لا تتوقع أن تجد فيها جمهورا.
والشعراء والكتاب يفضلون إلقاء نتاجهم الإبداعي الجديد في على جمهور يتوقعون أنه يقدره، ولن يغامروا بإلقائه في مدينة لا تعرف بوجود جمهور أدبي ذواق.
وعندما يعقد مهرجان أدبي أو فني، يتردد الناس في المدن الأخرى في زيارته إذا لم تكن المدينة التي تستضيفه معروفة بحسن تنظيمها واحترامها لضيوفها.
أصبحت صلنفة معروفة بنجاحها في استقطاب السياح القادمين من الخليج العربي، ونشأت صناعة سياحية حقيقية فيها، حيث أصبحت تنافس ساحل اللاذقية في استضافة العائلات القادمة لقضاء الصيف في سورية.
بالمقابل، دمشق معروفة بأسعارها الغالية، ولذلك شهدت تراجعا ملحوظا في عدد زوار فنادقها وشققها في الصيف، وانعكس هذا في الأرقام التي أعلنتها وزارة السياحة عن الموسم السياحي الماضي.
مؤخرا زار أمير قطر قرية مرمريتا وقضى فيها ثلاثة أيام في إجازة خاصة، لا شك أن الأمير سمع عن مرميتا وجمالها، وعن مهرجانها السنوي، وعن تقاليدها العريقة.
اتضح سابقا مدى تأثير سمعة المدينة على الاقتصاد وعلى حياة الناس. وتطوير سمعة المدينة يمكن أن يولد تطويرا كبيرا في عدد من المجالات، انطلاقا من التأثير على نفسية الشباب، ووصولا إلى جذب الاستثمارات والسياح إلى المدينة، وتحسين الوضع الاقتصادي للسكان.
كل هذا صحيح، ولكن أهم ما في التركيز على عامل تطوير سمعة المدينة أننا نحن، سكان المدينة، نستطيع أن نساهم فيه مع أو بدون تدخل الدولة، ولا نحتاج إلى مساعدة من الدولة أو أجهزتها لتنفيذ الكثير من الأمور التي يمكننا أن ننفذها بنفسنا. بل يمكننا أحيانا أن نقود الجهود الرامية لتحسين سمعة المدينة، بحيث يمكن أن تلتحق بنا الحكومة وتحاول أن تبذل جهودها معنا كقوة مؤثرة في المجتمع مثلنا نحن.
يضاف إلى ذلك التأثير الإيجابي الذي يمكن أن يتركه العمل الفعال على من يمارسونه، خصوصا إذا لمسوا نتائج إيجابية لعملهم على المدى القريب.
سأدرج فيما يلي بعض الاقتراحات المستندة إلى الأفكار السابقة، وأنا أعلم أن اقتراحاتي ليست وحيدة ولا نهائية، وهي مطروحة للتطوير من قبلكم جميعا.
تبدأ العملية من إحساس من يرغب بتطوير المدينة أنه أحد المسؤولين عن ذلك. هذا الكلام موجه للذين يرغبون فعلا، وليس قولا، بالمساهمة في تطوير المدينة.
إن من يرغبون فعلا بتطوير المدينة يعرفون تماما المجالات التي يستطيع كل منهم أن يساهم فيها، ويدركون أين يمكن أن تعطي جهودهم أفضل النتائج، ولا شك أنهم سيعرفون كيف يؤسسون للتعاون الضروري مع غيرهم ممن يشاركونهم نفس الهدف.
أما من لا يرغبون فعلا بتطوير المدينة، وحتى لو رغبوا بذلك قولا أو عاطفة، فلا أعتقد أنهم قادرون على فعل أي شيء مهما امتلكوا من الأدوات التقنية، وأكثر ما يمكن أن يفعلوه هو محاولات "فاشلة" لتثبيط همة من يعملون لتحقيق هدفهم.
يستطيع أي منا أن يختار المجال الذي يرغب بالمساهمة فيه، ويصمم استبيانا صغيرا يطرحه في وسطه وعلى زملائه أو جيرانه أو على الأشخاص الذين يتواصل معهم. ثم يحلل نتائج الاستبيان ويحاول أن يكتشف الجهود التي يمكن أن تساعد في التأثير على الإجابات وتغييرها عند إجراء استبيان قادم. وبعد إجراء الاستبيان يمكنه أن يرسل نتائجه إلى رفاق آخرين يعرفهم ويعرف أنهم معنيون بالهدف المشترك، فيساهم بذلك في إطلاع الآخرين على تجربته، ويطلع على تجارب الآخرين في نفس المجال.
وبتكرار إجراء الاستبيان عدة مرات، على فترات زمنية محددة، يمكن أن يرسم المنحني البياني لنتائج الاستبيان ويمكن أن يتم تقييم كفاءة التطوير.
يستطيع أي منا أن يحدد العامل الذي يعمل عليه بناء على خبرته، وعلى الوسط الذي يعيش فيه. مثلا يستطيع أعضاء الجمعية المعلوماتية دراسة انطباعات جمهور اللاذقية عن الجمعية ونشاطاتها عبر صياغة استبيان وتنفيذه على زوار الجمعية أو المقربين منها، وبشيء من الجهد تستطيع اللجنة الإدارية أن تراقب تأثير عملها على الشارع وتتنبأ بطرق جديدة لتحسين نتائج نشاطاتها.
ويستطيع طالب في الجامعة أن يراقب آراء الطلاب في مادة أو في مجموعة مواد عبر تنفيذ مسح لآراء الطلاب بواسطة استبيان، وإذا نفذ عشرة طلاب في الكلية استبيانا من هذا النوع، وجمعوا نتائج استبياناتهم، يمكنهم أن يحصلوا على معامل جديد يراقبون تطوره نتيجة جهودهم خلال الأشهر أو السنوات القادمة.
أول الأدوات المتاحة هي العقل والمحاكمة العلمية والموضوعية للأمور، ويضاف إليها أدوات مساعدة مثل القلم والورقة، والحاسب. ولا شك أن أدوات الاتصالات، كالهاتف والإنترنت، يمكن أن تقدم مساعدة كبيرة في هذا. مثلا يمكن أن تصمم الاستبيانات على الحاسب وترسل عبر البريد الالكتروني للشريحة التي تقصدها، أو أن تقوم ربة منزل بتنفيذ استبيان على زميلاتها عبر الهاتف وبدون مغادرة منزلها.
يمكن النظر إلى كل عمل تطوير على أنه معركة صغيرة مع بعض المشاكل أو السلبيات، ولذلك أدعوكم لمواجهة هذه المشاكل أو السلبيات بوضوح وصراحة، وإيمان بقدرتكم على التغيير، وعلينا جميعا أن نتذكر أنه لا يوجد مجتمع خال منها، وأن مواجهتها لنا دليل أننا بدأنا نؤثر فيها.
يمكن أن تسهل لنا التقانة بعض المهام التي تبدو صعبة للوهلة الأولى.
تعتبر استبيانات الإنترنت سلاحا ذا حدين، ولا يمكن الوثوق بنتائج الاستبيانات المفتوحة للعموم، ولكن بالمقابل، وبشيء من الدقة والانتباه، يمكن تنفيذ استبيانات عبر الإنترنت تبدو مستحيلة على أرض الواقع. الحلول التقنية لتنفيذ هذه الاستبيانات متوفرة، وتعتبر موثوقة من قبل الكثير من شركات الدراسات والبحوث في العالم. ألفت انتباهكم هنا أن الاستبيانات عبر الإنترنت تختلف عن التصويت الذي نراه بكثرة على مواقع الإنترنت العربية. الاستبيانات عملية جدية تطلب من الزائر المشاركة بها بصراحة وتعلمه أنها ستأخذ منه بعض الوقت. بالمقابل، التصويت على مواقع الإنترنت عملية غير جدية ولا معنى لنتائجها.
يمكننا أن نستخدم برامج المحادثة الفورية لبناء صداقات عبر العالم، وللتعريف ببلدنا وبمدينتنا ودعوة الآخرين لزيارتها. في الحقيقة أن الكثيرين من الشباب يقضون وقتا طويلا في التعارف عبر المحادثة الفورية، وإذا تبنى أحدهم أحد أهداف تطوير مدينة اللاذقية، يمكنه أن يخصص جزءا من وقته للتأثير على أحد عوامل سمعة المدينة عبر حواراته المباشرة على الإنترنت، وفي رسائل البريد الالكتروني، وفي أي تواصل له مع الآخرين.
تأثير هذه الفكرة قد يكون كبيرا جدا، وربما يساعد في جذب عشرات الآلاف من الزوار إلى المدينة لزيارة معارفهم، وبالمقابل يساعد سكان المدينة على التواصل مع أناس آخرين في دول أخرى وزيارتهم في وقت لاحق.
يستطيع أي مواطن إنشاء موقع إنترنت له، ولا يكلفه الأمر أكثر من تجميع بعض النصوص والصور، وبعض العمل التقني على الحاسب، وهو عمل سهل وتقليدي، ثم نشر الموقع على مخدم استضافة مجاني. إن كثرة هذا النوع من المعلومات والصور يساعد في ضرب الأمثلة الإيجابية، ويقدم كما كبيرا من المعلومات التي يمكن أن تطغى على أية معلومات سلبية منشورة على الإنترنت عن المدينة.
إضافة إلى ذلك، هناك العديد من مواقع الإنترنت الناجحة جدا والتي تدار من اللاذقية، وهي في أغلبها مواقع ثقافية وشعبية، وأعتقد أنها ترحب بتغطية النشاطات التي تجري في المدينة ولا شك أنها ترحب بكل المقالات الثقافية أو التاريخية التي تكتب عنها.
تتشكل الصورة السلبية من كثرة الحديث عن السلبيات، وعلى الإنترنت يكثر جدا الحديث عن الأمور السلبية والفضائحية. وهناك العديد من المنتديات التي تحوي مقالات وتجارب تعكس صورة سلبية عن بلدنا وعن مدينتنا. يستطيع أبناء المدينة مراقبة المنتديات التي تنشر الصور السلبية عنا، والرد على الرسائل والمقالات بشكل يعكس صورة إيجابية عنا، ويمحو الصورة السلبية التي يحاول الآخرون إعطاءها.
فوائد الندوات العملية والتخصصية كثيرة جدا، ومنها أن تكرارها بكثرة في مدينة يعطي الناس انطباعا أن المدينة مهتمة بها، ويساعد على جذب زوار اختصاصيين إلى المدينة بشكل متكرر.
ألفت الانتباه هنا إلى المبادرات المتعددة التي أقيمت في اللاذقية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ومنها مثلا منحة الأوائل 2002 و2003 وورشة اللاذقية للمصادر المفتوحة التي أقيمت هذا العام، وأتمنى أن تتكرر مثل هذه النشاطات أكثر من مرة في العام.
وفقا لتعريف التطوير الذي ذكرته في أول المحاضرة، فأنا لم أسمع عن أية محاولة تطوير حقيقية لسمعة المدينة. بالمقابل، هناك الكثير من النشاطات التي يمكن أن تساهم فعليا في تطوير سمعة المدينة، ومنها مثلا:
تعتمد جميع أفكار هذه المحاضرة على عمل الأفراد، وتركز على الأعمال التي يمكن أن نقوم بها كمجتمع بدون حاجة لمساعدة من الدولة، ولكن إذا رغبت الدولة يمكنها أن تساهم كثيرا في إنجاح أي جهد فردي أو تعاوني، وفي أغلب الأحيان قد تكون مساهمة الدولة بسيطة ومؤثرة جدا. ويمكنني أن أقترح على هيئات الدولة النشاطات التالية:
في المجتمع أناس يفكرون بعمل الآخرين أكثر مما يفكرون بعملهم، ويعتقدون أنهم قادرون على تطوير المجتمع بمجرد انتقاد من يعملون وكشف أخطائهم، وبدون أن يبذلوا هم أي جهد فعلي للتطوير. وحسب خبرتي، لا أشك أن نماذج من هؤلاء الأشخاص ستتصدى لأي مشروع تطوير من النمط الذي أطرحه عليكم، وستطرح في مواجهته انتقادات من شاكلة الأفكار التالية:
هذا الانتقاد غير صحيح ببساطة لأن أي عمل، فرديا كان أو جماعيا، يسعى لتحقيق هدف بطريقة علمية هو عمل مجد على المدى الطويل. وخلال تجربتي كان انتقاد العمل الفردي مجرد وسيلة للسيطرة على الأفراد المميزين وتسخير إمكانياتهم لمصالح أغلبها فردي وليس جماعيا.
صحيح، ولكن التصفيق يحتاج لليد الأولى ثم اليد الثانية. لقد استخدم هذا المثل تاريخيا لانتقاد المحاولات الفردية وتثبيطها، وتحول بذلك من دعوة الأفراد للعمل الجماعي إلى محاولة إجهاض العمل الفردي مهما كان. يمكن الرد على هذا المثل بتأكيده، نعم يد واحدة لا تصفق، ولذلك يمكن أن نكون اليد الأولى في محاولة التصفيق الذي تهتز له الأرض، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.
يحاول البعض أحيانا تصور وجود قوى خرافية تحاول أن تعيق أية محاولة تطوير يقوم بها أي شخص، والحقيقة أن المشاكل موجودة ونحن نعترف بها، ولكن القوى الجبارة والخرافية التي يفترض البعض وجودها ليست موجودة إلا في مخيلتهم. هناك أمثلة كثيرة على طريقة التعامل مع منطق "لن يسمحوا بذلك" وكيف تبين أن لا يوجد أي أحد يمكن أن يمنع "ذلك" فعلا.
التخطيط ضروري بدون شك، ولكن التخطيط يجب أن يعتمد على معلومات واقعية وعلى أهداف واضحة. ما تحاول المحاضرة أن تقدمه هو طريقة للحصول على المعلومات الواقعية ولصياغة الأهداف الواضحة. ولكن من غير الضروري وضع خطة واحدة، لا مانع من وضع عشرات الخطط، لكل شخص خطته التي يتبعها لتحقيق أهدافه.
تعتبر محاولة إلزام الناس بخطة واحدة مجرد محاولة لتسخير جهود الآخرين لتحقيق أهداف خطة واحدة. وأنا لا أؤيد الخطة الواحدة، بل أشجع كل فرد على تبني خطته الخاصة والتعاون مع الآخرين حسب أهدافهم.
ربما، ولكن ليس المهم الطرق التي نفشل فيها، بل المهم الطرق التي ننجح فيها. يمكننا تخيل العديد من سيناريوهات الفشل لكل مشروع، ولكن المشاريع الناجحة فعلا لا تتبع أيا منها، بل تتبع أحد سيناريوهات النجاح التي قد تكون قليلة جدا.
هذه الفكرة خطرة جدا لأنها تبدو موضوعية للوهلة الأولى، وهي طريقة ممتازة للتثبيط وحرف الأنظار عن الهدف، وعندما تواجهها تذكر دائما أن موضوع الحوار هو كيف تنجح، وليس كيف تفشل.
ربما، ولكن من الخطأ الكبير انتظار عون كبير من الآخرين، يستطيع أي منا أن يبني مشروعه التطويري المعتمد على إمكانياته هو، وأن يعمل قدر الإمكان على تطوير نفسه ومن حوله والوسط المحيط بهم قدر الإمكان. يستطيع أي منا أن يصوغ خطة تطوير يعتمد نجاحها أساسا على نجاحه هو في استثمار طاقاته لأقصى حد بحيث يستطيع أن يحقق أهدافها.
هذا ما يقوله السلبيون عندما يسقط في أيديهم ولا يجدون ما يفعلونه مع شخص متحمس ولا يخضع للتثبيط، وفي هذه الحالة يجب الانتباه إلى أن مقياس النجاح هو المقياس الذي يضعه كل لنفسه، وليس الذي يضعه الآخرون. ربما يعتبر الإنسان أنه نجح نجاحا باهرا في تحقيق هدف صغير بينما يعتبر الآخرون أنه فشل في تحقيق أهداف افترضوها هم له واعتقدوا خطأ أنه يسعى لتحقيقها.
قلنا أن التطوير يبدأ من تحديد المتغيرات وإجراء قياسات دورية عليها، وأعطينا مثالا عن تطوير سمعة المدينة بهذه الطريقة، وذكرنا بعض الخطوات العملية التي يمكن البدء بها لإجراء تطوير عملي على سمعة المدينة.
في الختام أود أن أؤكد لكم أن ما قلته ليس الطريقة الوحيدة للتطوير، بل هو مجرد رؤية لشخص واحد بين آلاف الرؤى المختلفة للمستقبل في المجتمع. يستطيع أي منكم أن يكون رؤيته الخاصة للتطوير، وربما نتعلم جميعا من بعضنا في هذا المجال.
لا أتوقع أن تحقق هذه المحاضرة نتيجة كبيرة أو مبهرة، ولكنني متأكد أن بعض الحضور متحمس لتطبيق أفكارها ليتأكد بنفسه من صحتها، أو ليتمكن من نفيها وإثبات خطئها، وسيسعدني كثيرا أن أسمع نقاشات وآراء من أناس حاولوا تطبيق هذه الأفكار بنفسهم، ووجدوا نتائج سلبية أو إيجابية، لنستفيد جميعا. وسأنتظر أن تأتيني مثل هذه النقاشات على بريدي الإلكتروني أو عبر موقعي الشخصي على الإنترنت.
الأيهم صالح
www.alayham.com
ملخص المحاضرة
تنطلق المحاضرة من تعريف المفاهيم الأساسية مثل المتغيرات وطرق قياسها والتأثير فيها، وتقترح تعريفا لعملية التطوير بشكل عام، ثم تركز على محاولة تطوير مدينة اللاذقية عبر التركيز على عدد من المجالات مثل الاقتصاد والثقافة والسياحة والتعليم، وتحاول صياغة خطة للتطوير في هذه المجالات عبر التركيز على متغير واحد هو سمعة المدينة، ومحاولة التأثير عليه لتحسينه. تتم مناقشة أهمية سمعة المدينة لكونها قياسا للرأي العام الداخلي والخارجي، وصدى لكل ما يحصل في المدينة، وعامل أساسي في تطويرها، ثم تقترح المحاضرة عددا من الخطوات التي يمكن أن تساهم في تحسين سمعة المدينة باستخدام وسائل التقانة، ومنها مثلا مواقع الإنترنت، والاستبيانات الالكترونية، والملتقيات الثقافية والعلمية، وغيرها.
مفهوم التطوير
نقصد بالمتغير أي شيء يمكن أن نقيسه، أي نعبر عنه برقم، ويمكن أن تتغير قياساته بمرور الزمن.
لنفرض أن لدينا مجموعة من المتغيرات
تعبر عن جزء من واقع مجتمعنا، بعض هذه المتغيرات سلبي وبعضها إيجابي من وجهة نظر كل منا. ولنفرض أن لدينا وسائل لقياس هذه المتغيرات والتعبير عنها بواسطة أرقام، وأننا نقيس هذه المتغيرات، ونراقب تغير قياساتنا لها بمرور الزمن. وهكذا نأخذ فكرة عن التغير الذي يجري بمرور الزمن على بعض النواحي السلبية والإيجابية في مجتمعنا.
يعبر الإحصاء عن تغيرات المتحولات بشكل خطوط بيانية تشبه الشكل التالي
نعتبر أن متغيرا ما يتطور في إحدى الحالتين التاليتين:
- إذا كان المتغير الذي نقيسه إيجابيا بالنسبة لنا، ووجدنا أن قياساته تزداد بمرور الزمن
- إذا كان المتغير الذي نقيسه سلبيا بالنسبة لنا، ووجدنا أن قياساته تتناقص بمرور الزمن
ونعتبر أن متغيرا ما يتخلف في إحدى الحالتين التاليتين:
- إذا كان المتغير الذي نقيسه إيجابيا بالنسبة لنا، ووجدنا أن قياساته لا تزداد بمرور الزمن
- إذا كان المتغير الذي نقيسه سلبيا بالنسبة لنا، ووجدنا أن قياساته لا تتناقص بمرور الزمن
تقاس سرعة التطور أو التخلف بتغير الفرق بين القياسات في نفس الفترة الزمنية، وفي الشكل السابق، إذا كانت القياسات مأخوذة في نفس الفترة الزمنية، يمكننا تقدير سرعة التطور بالمخطط التالي
هنا نجد أن المتغير تطور بسرعة في المرحلة الثانية (قياس 2-قياس 3)، ثم انخفضت سرعة تطوره في المرحلة الثالثة (قياس 3-قياس 4).
ونقصد بالتطوير مجموعة الأعمال التي نقوم بها لنجعل متغيرا ما يتطور بأكبر سرعة ممكنة.
متطلبات التطوير
لكي نتمكن من القيام بالتطوير بأفضل شكل ممكن، يجب أن نوفر مجموعة أساسية من المتطلبات:
- تحديد المتغيرات السلبية والإيجابية التي يجب أن نقوم بتطويرها
- تحديد طرق قياس هذه المتغيرات
- الحصول على قياسات متكررة لهذه المتغيرات
ولكي نتمكن من تطوير أي متغير، يمكن أن نفكر بالخطوات التالية
- تحديد هدف بعيد وأهداف مرحلية للتطوير
- دراسة تغيرات قياسات كل متغير، وتحديد العوامل التي تؤثر فيه.
- وضع خطة للتأثير في المتغيرات بحيث نسرع تطورها.
- تنفيذ الخطة ومراقبة تطور القياسات التي نجريها للمتغيرات، وتطوير خطتنا حسب النتائج التي تحققها.
مجالات التطوير
هذا إذا أردنا التطوير، لا أعتقد أن المجالات تنقصنا في مدينتنا، فهي كثيرة جدا، ولا يمكن أن تحيط بها هذه الصفحات،
ويمكن أن أقترح عليكم كمثال تطوير المجالات أساسية:
- التعليم: ويشمل المؤسسات التعليمية العامة والخاصة الخاصة في اللاذقية، وعلى رأسها الجامعة.
- الاقتصاد: ويشمل الحركة الاقتصادية كلها، وأهم المؤسسات الاقتصادية في اللاذقية، ومنها المرفأ.
- الثقافة: تشمل النشاطات الثقافية مثل المسرح والسينما والأماسي الأدبية والمحاضرات الثقافية.
- السياحة: وتشمل مختلف أنواع السياحة الداخلية والخارجية على مدار العام، وليس فقط سياحة الاصطياف.
قد تظهر هذه المجالات كبيرة جدا، ولا يمكن لشخص واحد أن يؤثر فيها، وهذا صحيح لأول وهلة، ولكن ماذا لو كانت بيد كل منا أدوات تقنية متطورة تمكنه من زيادة تأثيره؟ وماذا لو تعاون مجموعة من الأشخاص يملكون أدوات تقنية قوية لتطوير هذه المجالات؟ ألا يمكن أن يحققوا نتائج جيدة؟
لا أعرف الجواب على هذا السؤال، لأننا لم نجرب بعد، ولكنني مصمم على معرفة الجواب، ومحاضرتي هذه موجهة أساسا لكل شخص مستعد لبذل بعض الجهد لأنه مهتم بمعرفة هذا الجواب.
يمكننا أن نبدأ بهذه المجالات واحدا واحدا، ونحاول قدر الإمكان أن نركز على مجالات التطوير التي يمكن أن يؤثر فيها أي منا، نعم أي منا.
المتغيرات:
يمكننا أن نختار عددا من المتغيرات في مجالات التعليم والسياحة والاقتصاد، منها مثلا عدد المنشآت السياحية أو عدد الحفلات الفنية التي تقدم شهريا أو عدد العاطلين عن العمل في أحد الأحياء. الأمثلة متعددة ومتنوعه، ولا يمكن التركيز عليها كلها، ولذلك سأكتفي باختيار مجموعة من المتغيرات تشترك في كونها تعبر عن "سمعة" مجال ما، وليكن الجامعة. من هذه المتغيرات مثلا:
- سمعة جامعة تشرين بالنسبة لطلابها: ما هي آراء الطلاب بالجامعة وبالتعليم فيها بشكل عام.
- سمعة جامعة تشرين بالنسبة لمدرسيها، وبالنسبة لموظفيها، ولخريجيها.
- سمعة جامعة تشرين بالنسبة لأهالي الطلاب.
- سمعة الجامعة بالنسبة لطلاب الجامعات الأخرى.
- سمعة خريجي الجامعة في مجتمع المدينة.
والأمثلة متعددة على متغيرات السمعة.
اخترت التركيز على سمعة كل مجال من المجالات لأن كلمة "السمعة" بالنسبة لنا تعادل كلمة "الرأي العام" في مجتمعات أخرى، فالرأي العام يعتبر مقياسا حساسا وشديد الأهمية لتقييم النشاطات والفعاليات التي تتعلق بالمجتمع، ويبدو لي أن الجامعة تتأثر بالمجتمع وتؤثر فيه كثيرا، كما أن الاقتصاد لاعب أساسي في كل المجتمعات، بما فيها مجتمعنا، أما الثقافة والسياحة، فهي مجالات عريقة جدا في مدينتنا، ولا شك أن لها صلة قوية بالمجتمع.
جرت العادة في مجتمعنا أن لا يعطى الرأي العام أي دور، ولم ألاحظ خلال السنوات الماضية أية محاولة حقيقية وعلمية لقراءة الرأي العام في أي موضوع، باستثناء الجهود المشكورة التي يقوم بها الصحفيون في تحقيقاتهم التي تطال عينات صغيرة جدا في العادة، والتي تهدف لكتابة مقال صحفي أكثر مما تهدف لقياس الرأي العام.
المقاييس:
يعتبر علم الإحصاء أهم أداة من أدوات قياس الرأي العام، وأدوات علم الإحصاء مفيدة جدا في هذا المجال، مثلا لا يمكن الاستغناء عن الاستبيانات والاستفتاءات الحقيقية التي تنفذ وفق أصول علم الإحصاء في قياس الرأي العام حول قضية معينة.
يمكننا مثلا تطبيق أدوات الإحصاء في قياس سمعة جامعة تشرين بالنسبة لطلابها، وذلك باستخدام صيغة رياضية بسيطة كما يلي:
لتكن قياس السمعة المطلوبة، والتي تعتمد على مجموعة من العوامل لكل منها أهميته التي يعبر عنها برقم صحيح . يمكننا أن نقيس العوامل عبر توجيه أسئلة مخصصة لهذا الهدف إلى عينة إحصائية نختارها بعناية أو بشكل عشوائي حسب موضوع الدراسة. وبنتيجة الأسئلة نحصل على رقم ما يعبر عن قياس كل عامل، فنقوم بتوحيد مجال القياسات عند قيمة واحدة (مثلا 10 أو 100).
بعد الحصول على القياسات كلها، نضرب كلا منها في أهميته، ونحسب المجموع فنحصل على معامل يعبر نوعا ما عن القياس، ولكي يكون معاملنا أكثر دقة نقسمه على مجموع أهميات كل العوامل، فنحصل على قياس لا يتأثر بعدد العوامل المختارة، وإذا قسمنا الناتج على الحد الأعلى لقياس العوامل نحصل على قيمة يمكن التعبير عنها بنسبة مئوية.
إذا أجرينا هذه العملية بشكل متكرر يمكن أن نصل إلى جدول بياني نعتبر أنه يمثل تغيرات سمعة الجامعة بالنسبة لطلابها.
وإذا اعتبرنا أن قياس سمعة الجامعة بشكل عام هو مجموع مركب من عدد من القياسات واحد منها سمعتها لدى الطلاب، ولكل قياس أهميته، وطبقنا نفس المعادلة يمكن أن نحصل على قياس يعبر عن السمعة العامة للجامعة، ويمكن أن نراقب تغيراته مع الزمن.
أعتقد أن هذا القياس مؤشر جيد على أداء الجامعة لأنه يعكس الرأي العام لشرائح مختلفة من الناس جميعهم على تماس مع الجامعة بدرجات مختلفة. وأية خطة تطوير في الجامعة تستطيع أن تستفيد من المعلومات التي توفرها مثل هذه الدراسة بشكل كبير.
الطريقة السابقة إحدى الطرق التي يمكن اتباعها لقياس السمعة، وهي الأسهل لأنها مجرد حساب وسط حسابي لعوامل مع أخذ أهميتها بعين الاعتبار، ويمكن صياغة معادلات أكثر دقة تعبر عن السمعة، مثلا يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار أن السمعة السلبية مؤثرة أكثر كثيرا من السمعة الإيجابية، فنعطي العوامل ذات القيمة الأكبر أهمية أقل، أو نصوغ معادلة خاصة للسمعة السلبية تشمل فقط أسوأ خمسة أو عشرة قياسات في الدراسة.
في المثال السابق طرحت الجامعة كمثال لا أكثر، ويمكن تطبيق نفس الطريقة على كل فعالية أو مؤسسة في المدينة.
وإذا أعددنا دراسة مشابهة عن نواحي أخرى في المدينة، يمكننا أن نعرف مجالات تميز مدينتنا، وأن نكشف المشاكل التي قد لا تبدو واضحة للوهلة الأولى، ويمكننا أيضا أن نضع خطة لتطويرها عن طريق التأثير على كل عامل من العوامل المؤثرة على سمعة المدينة.
أهمية سمعة المدينة
كما يعتبر الرأي العام مقياسا عالميا لوضع كل مجتمع، يمكننا أن نعتبر سمعة مدينتنا مقياسا لوضعها، فعندما تكون سمعة المدينة جيدة، يرغب الناس بالحياة أو الاستثمار فيها، وعندما تكون السمعة سيئة، يحاول الناس الابتعاد عنها.
سمعة المدينة تؤثر على حياة الناس:
فإذا وجدنا رأيا عاما يقول "لا توجد فرص عمل في هذه المدينة" تجد الشباب يرغبون في الهجرة للبحث عن فرص عمل في أمكنة يعتقد الرأي العام أن العمل متوفر فيها.
السمعة الجيدة للمدينة تؤثر على نفسية الناس، ويمكن أن تولد لديهم إحساسا بالفخر أو حتى بالسعادة لوجودهم فيها. بالمقابل، سمعة المدينة السيئة قد تسبب خجل كل مواطن عندما يذكر عنوانه في رسالة.
سمعة المدينة تؤثر على الاقتصاد
السمعة الجيدة للمدينة في مجال ما تساعد على جذب الاستثمارات، مثلا سمعة هوليوود ساعدت على جذب شركات الإنتاج السينمائي، وسمعة وادي السيليكون ساعدت على جذب شركات التقانة. وعندما تبدأ الاستثمارات بالقدوم، تزداد السيولة في يد الناس، وتزداد فرص العمل، فيتنشط الاقتصاد.
السمعة السيئة للمدينة تؤدي إلى نفور الاستثمارات، ويمكن أن تؤدي أيضا إلى تناقص الخدمات في المدينة عبر ابتعاد شركات الخدمات عنها.
سمعة المدينة تؤثر على أسعار منتجاتها
في سوريا نعرف أن حلب مدينة صناعية، ولذلك فالمشتري مستعد لشراء منتج مصنوع في حلب أكثر من شراء منتج منافس له مصنوع في دمشق.
وسعر زيت الزيتون القادم من إدلب أغلى من سعر زيت الزيتون القادم من الساحل، و هو مرغوب أكثر حتى في المدن الساحلية.
وفي الماضي كان نبيذ محردة مشهورا بجودته، وكان سعره عاليا جدا، وللأسف فقدت محردة هذه الميزة ولكنها ظلت معروفة بتميزها في إصلاح الآليات الثقيلة، ويتقاضى معلمو الإصلاح فيها الأسعار الأغلى على الإطلاق.
سمعة المدينة تؤثر على الثقافة
الفرق المسرحية والفنية تختار المدن التي تعرف بجمهور ذواق للثقافة، ولا تغامر بالعرض في أمكنة لا تتوقع أن تجد فيها جمهورا.
والشعراء والكتاب يفضلون إلقاء نتاجهم الإبداعي الجديد في على جمهور يتوقعون أنه يقدره، ولن يغامروا بإلقائه في مدينة لا تعرف بوجود جمهور أدبي ذواق.
وعندما يعقد مهرجان أدبي أو فني، يتردد الناس في المدن الأخرى في زيارته إذا لم تكن المدينة التي تستضيفه معروفة بحسن تنظيمها واحترامها لضيوفها.
سمعة المدينة تؤثر على السياحة
أصبحت صلنفة معروفة بنجاحها في استقطاب السياح القادمين من الخليج العربي، ونشأت صناعة سياحية حقيقية فيها، حيث أصبحت تنافس ساحل اللاذقية في استضافة العائلات القادمة لقضاء الصيف في سورية.
بالمقابل، دمشق معروفة بأسعارها الغالية، ولذلك شهدت تراجعا ملحوظا في عدد زوار فنادقها وشققها في الصيف، وانعكس هذا في الأرقام التي أعلنتها وزارة السياحة عن الموسم السياحي الماضي.
سمعة المدينة تجذب الزوار المهمين
مؤخرا زار أمير قطر قرية مرمريتا وقضى فيها ثلاثة أيام في إجازة خاصة، لا شك أن الأمير سمع عن مرميتا وجمالها، وعن مهرجانها السنوي، وعن تقاليدها العريقة.
أهمية تطوير سمعة المدينة
اتضح سابقا مدى تأثير سمعة المدينة على الاقتصاد وعلى حياة الناس. وتطوير سمعة المدينة يمكن أن يولد تطويرا كبيرا في عدد من المجالات، انطلاقا من التأثير على نفسية الشباب، ووصولا إلى جذب الاستثمارات والسياح إلى المدينة، وتحسين الوضع الاقتصادي للسكان.
كل هذا صحيح، ولكن أهم ما في التركيز على عامل تطوير سمعة المدينة أننا نحن، سكان المدينة، نستطيع أن نساهم فيه مع أو بدون تدخل الدولة، ولا نحتاج إلى مساعدة من الدولة أو أجهزتها لتنفيذ الكثير من الأمور التي يمكننا أن ننفذها بنفسنا. بل يمكننا أحيانا أن نقود الجهود الرامية لتحسين سمعة المدينة، بحيث يمكن أن تلتحق بنا الحكومة وتحاول أن تبذل جهودها معنا كقوة مؤثرة في المجتمع مثلنا نحن.
يضاف إلى ذلك التأثير الإيجابي الذي يمكن أن يتركه العمل الفعال على من يمارسونه، خصوصا إذا لمسوا نتائج إيجابية لعملهم على المدى القريب.
اقتراحات لتطوير سمعة المدينة
سأدرج فيما يلي بعض الاقتراحات المستندة إلى الأفكار السابقة، وأنا أعلم أن اقتراحاتي ليست وحيدة ولا نهائية، وهي مطروحة للتطوير من قبلكم جميعا.
علينا أن نبدأ من أنفسنا
تبدأ العملية من إحساس من يرغب بتطوير المدينة أنه أحد المسؤولين عن ذلك. هذا الكلام موجه للذين يرغبون فعلا، وليس قولا، بالمساهمة في تطوير المدينة.
إن من يرغبون فعلا بتطوير المدينة يعرفون تماما المجالات التي يستطيع كل منهم أن يساهم فيها، ويدركون أين يمكن أن تعطي جهودهم أفضل النتائج، ولا شك أنهم سيعرفون كيف يؤسسون للتعاون الضروري مع غيرهم ممن يشاركونهم نفس الهدف.
أما من لا يرغبون فعلا بتطوير المدينة، وحتى لو رغبوا بذلك قولا أو عاطفة، فلا أعتقد أنهم قادرون على فعل أي شيء مهما امتلكوا من الأدوات التقنية، وأكثر ما يمكن أن يفعلوه هو محاولات "فاشلة" لتثبيط همة من يعملون لتحقيق هدفهم.
تحديد عوامل التطوير والمقياس المستخدم لقياسه
يستطيع أي منا أن يختار المجال الذي يرغب بالمساهمة فيه، ويصمم استبيانا صغيرا يطرحه في وسطه وعلى زملائه أو جيرانه أو على الأشخاص الذين يتواصل معهم. ثم يحلل نتائج الاستبيان ويحاول أن يكتشف الجهود التي يمكن أن تساعد في التأثير على الإجابات وتغييرها عند إجراء استبيان قادم. وبعد إجراء الاستبيان يمكنه أن يرسل نتائجه إلى رفاق آخرين يعرفهم ويعرف أنهم معنيون بالهدف المشترك، فيساهم بذلك في إطلاع الآخرين على تجربته، ويطلع على تجارب الآخرين في نفس المجال.
وبتكرار إجراء الاستبيان عدة مرات، على فترات زمنية محددة، يمكن أن يرسم المنحني البياني لنتائج الاستبيان ويمكن أن يتم تقييم كفاءة التطوير.
يستطيع أي منا أن يحدد العامل الذي يعمل عليه بناء على خبرته، وعلى الوسط الذي يعيش فيه. مثلا يستطيع أعضاء الجمعية المعلوماتية دراسة انطباعات جمهور اللاذقية عن الجمعية ونشاطاتها عبر صياغة استبيان وتنفيذه على زوار الجمعية أو المقربين منها، وبشيء من الجهد تستطيع اللجنة الإدارية أن تراقب تأثير عملها على الشارع وتتنبأ بطرق جديدة لتحسين نتائج نشاطاتها.
ويستطيع طالب في الجامعة أن يراقب آراء الطلاب في مادة أو في مجموعة مواد عبر تنفيذ مسح لآراء الطلاب بواسطة استبيان، وإذا نفذ عشرة طلاب في الكلية استبيانا من هذا النوع، وجمعوا نتائج استبياناتهم، يمكنهم أن يحصلوا على معامل جديد يراقبون تطوره نتيجة جهودهم خلال الأشهر أو السنوات القادمة.
استخدام كل الأدوات المتاحة للتطوير
أول الأدوات المتاحة هي العقل والمحاكمة العلمية والموضوعية للأمور، ويضاف إليها أدوات مساعدة مثل القلم والورقة، والحاسب. ولا شك أن أدوات الاتصالات، كالهاتف والإنترنت، يمكن أن تقدم مساعدة كبيرة في هذا. مثلا يمكن أن تصمم الاستبيانات على الحاسب وترسل عبر البريد الالكتروني للشريحة التي تقصدها، أو أن تقوم ربة منزل بتنفيذ استبيان على زميلاتها عبر الهاتف وبدون مغادرة منزلها.
عدم الخوف من المشاكل أو السلبيات
يمكن النظر إلى كل عمل تطوير على أنه معركة صغيرة مع بعض المشاكل أو السلبيات، ولذلك أدعوكم لمواجهة هذه المشاكل أو السلبيات بوضوح وصراحة، وإيمان بقدرتكم على التغيير، وعلينا جميعا أن نتذكر أنه لا يوجد مجتمع خال منها، وأن مواجهتها لنا دليل أننا بدأنا نؤثر فيها.
بعض الأدوات التقنية التي يمكن أن تساعد في تطوير المدينة
- الهاتف: نحن عادة ما نستخدم الهاتف للحديث العادي أو للحوارات والمفاوضات المرتبطة بالعمل، ولكن حين نتبنى هدف التأثير على أحد المتغيرات، يصبح الهاتف أداة مهمة جدا، نستطيع مثلا استخدام الهاتف في تنفيذ الاستبيانات أو في مناقشة نتائجها. أنا أعتقد أن أية سيدة منزل تستطيع باستخدام الهاتف وحده أن تنفذ استبيانا عن مستوى المدرسين في المدرسة، وتستطيع أن تكرر الاستبيان كل أسبوع لمراقبة مستوى أطفالها بالنسبة لغيرهم، ولمستوى المدرسين في المدرسة.
- البريد الالكتروني: يمكن استخدام البريد الالكتروني لتنفيذ الاستبيانات، ولكن النتائج التي يعطيها لا تكون عادة بمستوى النتائج التي نأخذها من استبيان مباشر وجها لوجه أو عبر الهاتف. بالمقابل يستطيع البريد الالكتروني أن يكون أداة ممتازة لنقل الأخبار، ولتنظيم حملات التوعية، وللتواصل مع الغرباء بهدف دعوتهم لزيارة المدينة.
- الإنترنت: تقدم الإنترنت وسيلة سهلة ورخيصة لنشر كميات كبيرة من المعلومات والصور بحيث تصبح متاحة للناس كلهم، كما أنها تشكل مصدرا ممتازا للمعلومات عن سمعة المدينة وسمعة الكثير من الفعاليات فيها.
استخدام التقانة لتطوير سمعة المدينة
يمكن أن تسهل لنا التقانة بعض المهام التي تبدو صعبة للوهلة الأولى.
استخدام الإنترنت في عملية قياس المتغيرات
تعتبر استبيانات الإنترنت سلاحا ذا حدين، ولا يمكن الوثوق بنتائج الاستبيانات المفتوحة للعموم، ولكن بالمقابل، وبشيء من الدقة والانتباه، يمكن تنفيذ استبيانات عبر الإنترنت تبدو مستحيلة على أرض الواقع. الحلول التقنية لتنفيذ هذه الاستبيانات متوفرة، وتعتبر موثوقة من قبل الكثير من شركات الدراسات والبحوث في العالم. ألفت انتباهكم هنا أن الاستبيانات عبر الإنترنت تختلف عن التصويت الذي نراه بكثرة على مواقع الإنترنت العربية. الاستبيانات عملية جدية تطلب من الزائر المشاركة بها بصراحة وتعلمه أنها ستأخذ منه بعض الوقت. بالمقابل، التصويت على مواقع الإنترنت عملية غير جدية ولا معنى لنتائجها.
استخدام البريد الالكتروني وبرامج المحادثة الفورية لبناء علاقات شخصية مع الآخرين
يمكننا أن نستخدم برامج المحادثة الفورية لبناء صداقات عبر العالم، وللتعريف ببلدنا وبمدينتنا ودعوة الآخرين لزيارتها. في الحقيقة أن الكثيرين من الشباب يقضون وقتا طويلا في التعارف عبر المحادثة الفورية، وإذا تبنى أحدهم أحد أهداف تطوير مدينة اللاذقية، يمكنه أن يخصص جزءا من وقته للتأثير على أحد عوامل سمعة المدينة عبر حواراته المباشرة على الإنترنت، وفي رسائل البريد الالكتروني، وفي أي تواصل له مع الآخرين.
تأثير هذه الفكرة قد يكون كبيرا جدا، وربما يساعد في جذب عشرات الآلاف من الزوار إلى المدينة لزيارة معارفهم، وبالمقابل يساعد سكان المدينة على التواصل مع أناس آخرين في دول أخرى وزيارتهم في وقت لاحق.
استخدام مواقع الإنترنت لنشر معلومات إيجابية عن المدينة
يستطيع أي مواطن إنشاء موقع إنترنت له، ولا يكلفه الأمر أكثر من تجميع بعض النصوص والصور، وبعض العمل التقني على الحاسب، وهو عمل سهل وتقليدي، ثم نشر الموقع على مخدم استضافة مجاني. إن كثرة هذا النوع من المعلومات والصور يساعد في ضرب الأمثلة الإيجابية، ويقدم كما كبيرا من المعلومات التي يمكن أن تطغى على أية معلومات سلبية منشورة على الإنترنت عن المدينة.
إضافة إلى ذلك، هناك العديد من مواقع الإنترنت الناجحة جدا والتي تدار من اللاذقية، وهي في أغلبها مواقع ثقافية وشعبية، وأعتقد أنها ترحب بتغطية النشاطات التي تجري في المدينة ولا شك أنها ترحب بكل المقالات الثقافية أو التاريخية التي تكتب عنها.
الرد على المنتقدين في المنتديات
تتشكل الصورة السلبية من كثرة الحديث عن السلبيات، وعلى الإنترنت يكثر جدا الحديث عن الأمور السلبية والفضائحية. وهناك العديد من المنتديات التي تحوي مقالات وتجارب تعكس صورة سلبية عن بلدنا وعن مدينتنا. يستطيع أبناء المدينة مراقبة المنتديات التي تنشر الصور السلبية عنا، والرد على الرسائل والمقالات بشكل يعكس صورة إيجابية عنا، ويمحو الصورة السلبية التي يحاول الآخرون إعطاءها.
تنظيم ندوات و ورشات علمية وتقنية متخصصة
فوائد الندوات العملية والتخصصية كثيرة جدا، ومنها أن تكرارها بكثرة في مدينة يعطي الناس انطباعا أن المدينة مهتمة بها، ويساعد على جذب زوار اختصاصيين إلى المدينة بشكل متكرر.
ألفت الانتباه هنا إلى المبادرات المتعددة التي أقيمت في اللاذقية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ومنها مثلا منحة الأوائل 2002 و2003 وورشة اللاذقية للمصادر المفتوحة التي أقيمت هذا العام، وأتمنى أن تتكرر مثل هذه النشاطات أكثر من مرة في العام.
هل حاول أحد ما العمل على تطوير سمعة المدينة؟
وفقا لتعريف التطوير الذي ذكرته في أول المحاضرة، فأنا لم أسمع عن أية محاولة تطوير حقيقية لسمعة المدينة. بالمقابل، هناك الكثير من النشاطات التي يمكن أن تساهم فعليا في تطوير سمعة المدينة، ومنها مثلا:
- عدد من مواقع الإنترنت الناجحة مثل www.Sabaia.net و www.EngDir.com و www.LECSyria.org و www.ArabScientist.org و www.SyriaLand.com
- عدد من النشاطات العلمية والتعليمية الناجحة مثل منحة الأوائل وندوة المصادر المفتوحة التي أقيمت هذا العام في اللاذقية.
- حملة التشجير التي نظمتها منحة الأوائل 2003 بالتعاون مع بلدية اللاذقية والتي شهدت إطلاق شعار "اللاذقية خضراء ونظيفة".
- نشاطات متعددة قام بها بعض أساتذة الجامعة مثل دراسة قلاع الساحل السوري التي نفذها أستاذان في كلية الهندسة المعمارية وكلية الهندسة المعلوماتية مع طلابهما.
كيف يمكن أن تساعد الدولة في تطوير المدينة
تعتمد جميع أفكار هذه المحاضرة على عمل الأفراد، وتركز على الأعمال التي يمكن أن نقوم بها كمجتمع بدون حاجة لمساعدة من الدولة، ولكن إذا رغبت الدولة يمكنها أن تساهم كثيرا في إنجاح أي جهد فردي أو تعاوني، وفي أغلب الأحيان قد تكون مساهمة الدولة بسيطة ومؤثرة جدا. ويمكنني أن أقترح على هيئات الدولة النشاطات التالية:
- نشر معلومات دقيقة عن واقع المدينة من مختلف المجالات مما يساعد من يحاولون تطوير المدينة على الاستناد على أسس صحيحة في عملهم الطوعي.
- مساعدة أي شخص أو جهة تحاول تنفيذ استبيان عن أي متغير من المتغيرات التي تتعلق بالمدينة، وقد لا تزيد المساعدة عن تعميم يصدر من مسؤول لموظفيه.
- عقد نشاط علمي أو تقني أسبوعي في اللاذقية: تشمل النشاطات ندوات أو ورشات عمل أو مؤتمرات علمية في كل التخصصات الممكنة، ومنها مثلا المعلوماتية والطب وتاريخ المنطقة وجغرافيتها وثرواتها والمكتشفات الأثرية فيها وطرق الحفاظ عليها. صحيح أن عدد النشاطات التي تعقد في اللاذقية كبير، ولكن لا يوجد أي دليل واحد يشمل هذه النشاطات ويوضح الخطة الزمنية لها لكي يساهم في تشجيع السياحة العلمية والثقافية.
- عقد نشاط ثقافي أو فني أسبوعي في اللاذقية: مثل الحفلات الفنية الجماهيرية، والأماسي الأدبية والموسيقية والندوات الثقافية، وإصدار كراس مطبوع عن خطة هذه النشاطات قبل عام مقدما.
- توزيع أخبار ونشاطات المدينة على كل الصحف ومحطات التلفزيون ووكالات الأنباء العربية والأجنبية، وتشمل دعوة الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء لحضور هذه النشاطات وتغطيتها. يمكن أن يتم ذلك عبر إنشاء مكتب صحفي حقيقي يتولى هذه المهمة.
- نشر مقالات ودراسات وصور بشكل مستمر عن المدينة وتاريخها والحركة الثقافية والسياحية والاقتصادية فيها على مواقع الإنترنت السورية والأجنبية المهتمة، والعمل على إنشاء مكتب إعلامي مهمته نشر هذا المحتوى على أكبر عدد ممكن من مواقع الإنترنت.
- إنشاء مواقع إنترنت تخصصية لكل موقع ثقافي أو سياحي أو أثري في المدينة، وربما تستطيع إحدى الهيئات الرسمية في المدينة الحصول على منحة ثقافية عالمية لتمويل إنشاء وتشغيل مواقع إنترنت لكل قلعة في سورية مثلا.
كيف نتعامل مع المشاكل والسلبيات
- علينا أن نكون موضوعيين، ونقر بوجود سلبيات كبيرة وأننا نحاول أن نزيلها كخطوة من خطوات مشروعنا لتطوير مدينتنا، ولكن بالمقابل، علينا عدم الانجراف وراء النظرة السلبية التي تفقد أي عمل مهما كان قيمته بذريعة عدم الجدوى. إن وجود السلبيات لا يعني أبدا أن العمل على إزالتها غير ممكن، بل بالعكس، يصبح العمل على إزالتها واجبا على كل منا.
- وجود المشاكل أمر طبيعي في كل مكان، وعلينا أن نحرص أن لا نفاجئ الآخرين بها. مثلا عندما ندعو شخصا لحضور حفلة من حفلات مهرجان المحبة، علينا أن نوضح له كيف يكون الجو وكيف تسير عملية الدخول، ونترك القرار له لقبول أو عدم قبول المعاملة التي تمارس بحق من يرغبون بحضور الحفلات.
- يجب أن لا يحرف وجود المشاكل والسلبيات أنظارنا عن الإيجابيات، والتركيز على السلبيات وحدها دون تقييم محاولة التخلص منها أو تجاوزها هو مجرد قصور نظر، أي أنه سلبية أخرى.
- علينا دائما أن نحترم عقل الآخر في كل حوار، وأن نحاول دائما أن نتحاور مع من يحترم عقلنا. إن الحوار مع أنصار النظرة العدمية وأتباع نظرية اللاجدوى حوار عقيم في الغالب.
- قد نضطر للخروج خارج الخط الإعلامي الذي تسنه الدولة في بعض الأحيان، لأنه مكشوف ويعرفه أصحاب النظرة السلبية، ولذلك يحضرون ردودا قد تكون مفحمة عليه، والرد عليهم من خلال الخط الإعلامي المعلن للدولة قد يضعنا بموقف الضعف في أي حوار نهدف منه للوصول إلى نتيجة مع الآخر.
كيف نتعامل مع أصحاب النظرة الشمولية
في المجتمع أناس يفكرون بعمل الآخرين أكثر مما يفكرون بعملهم، ويعتقدون أنهم قادرون على تطوير المجتمع بمجرد انتقاد من يعملون وكشف أخطائهم، وبدون أن يبذلوا هم أي جهد فعلي للتطوير. وحسب خبرتي، لا أشك أن نماذج من هؤلاء الأشخاص ستتصدى لأي مشروع تطوير من النمط الذي أطرحه عليكم، وستطرح في مواجهته انتقادات من شاكلة الأفكار التالية:
العمل الفردي غير مجد
هذا الانتقاد غير صحيح ببساطة لأن أي عمل، فرديا كان أو جماعيا، يسعى لتحقيق هدف بطريقة علمية هو عمل مجد على المدى الطويل. وخلال تجربتي كان انتقاد العمل الفردي مجرد وسيلة للسيطرة على الأفراد المميزين وتسخير إمكانياتهم لمصالح أغلبها فردي وليس جماعيا.
يد واحدة لا تصفق
صحيح، ولكن التصفيق يحتاج لليد الأولى ثم اليد الثانية. لقد استخدم هذا المثل تاريخيا لانتقاد المحاولات الفردية وتثبيطها، وتحول بذلك من دعوة الأفراد للعمل الجماعي إلى محاولة إجهاض العمل الفردي مهما كان. يمكن الرد على هذا المثل بتأكيده، نعم يد واحدة لا تصفق، ولذلك يمكن أن نكون اليد الأولى في محاولة التصفيق الذي تهتز له الأرض، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.
لن يسمحوا لكم بذلك
يحاول البعض أحيانا تصور وجود قوى خرافية تحاول أن تعيق أية محاولة تطوير يقوم بها أي شخص، والحقيقة أن المشاكل موجودة ونحن نعترف بها، ولكن القوى الجبارة والخرافية التي يفترض البعض وجودها ليست موجودة إلا في مخيلتهم. هناك أمثلة كثيرة على طريقة التعامل مع منطق "لن يسمحوا بذلك" وكيف تبين أن لا يوجد أي أحد يمكن أن يمنع "ذلك" فعلا.
يجب وضع خطة واحدة قبل بدء أي عمل
التخطيط ضروري بدون شك، ولكن التخطيط يجب أن يعتمد على معلومات واقعية وعلى أهداف واضحة. ما تحاول المحاضرة أن تقدمه هو طريقة للحصول على المعلومات الواقعية ولصياغة الأهداف الواضحة. ولكن من غير الضروري وضع خطة واحدة، لا مانع من وضع عشرات الخطط، لكل شخص خطته التي يتبعها لتحقيق أهدافه.
تعتبر محاولة إلزام الناس بخطة واحدة مجرد محاولة لتسخير جهود الآخرين لتحقيق أهداف خطة واحدة. وأنا لا أؤيد الخطة الواحدة، بل أشجع كل فرد على تبني خطته الخاصة والتعاون مع الآخرين حسب أهدافهم.
لن تنجح بهذه الطريقة
ربما، ولكن ليس المهم الطرق التي نفشل فيها، بل المهم الطرق التي ننجح فيها. يمكننا تخيل العديد من سيناريوهات الفشل لكل مشروع، ولكن المشاريع الناجحة فعلا لا تتبع أيا منها، بل تتبع أحد سيناريوهات النجاح التي قد تكون قليلة جدا.
هذه الفكرة خطرة جدا لأنها تبدو موضوعية للوهلة الأولى، وهي طريقة ممتازة للتثبيط وحرف الأنظار عن الهدف، وعندما تواجهها تذكر دائما أن موضوع الحوار هو كيف تنجح، وليس كيف تفشل.
الآخرون لن يتعاونوا معك
ربما، ولكن من الخطأ الكبير انتظار عون كبير من الآخرين، يستطيع أي منا أن يبني مشروعه التطويري المعتمد على إمكانياته هو، وأن يعمل قدر الإمكان على تطوير نفسه ومن حوله والوسط المحيط بهم قدر الإمكان. يستطيع أي منا أن يصوغ خطة تطوير يعتمد نجاحها أساسا على نجاحه هو في استثمار طاقاته لأقصى حد بحيث يستطيع أن يحقق أهدافها.
اعمل وسترى بنفسك كيف ستفشل
هذا ما يقوله السلبيون عندما يسقط في أيديهم ولا يجدون ما يفعلونه مع شخص متحمس ولا يخضع للتثبيط، وفي هذه الحالة يجب الانتباه إلى أن مقياس النجاح هو المقياس الذي يضعه كل لنفسه، وليس الذي يضعه الآخرون. ربما يعتبر الإنسان أنه نجح نجاحا باهرا في تحقيق هدف صغير بينما يعتبر الآخرون أنه فشل في تحقيق أهداف افترضوها هم له واعتقدوا خطأ أنه يسعى لتحقيقها.
الخطوة القادمة
- حدد الموضوع الذي تعمل عليه
- ابدأ صياغة استبيان أو أكثر له
- نفذ الاستبيانات
- اجمع النتائج واحسب قياسا للموضوع
- ابحث عن طرق لتطوير القياس (زيادته إذا كان إيجابيا، وإنقاصه إذا كان سلبيا)
- نفذ أفكارك وراقب النتائج عبر تكرار القياس على فترات زمنية
خاتمة
قلنا أن التطوير يبدأ من تحديد المتغيرات وإجراء قياسات دورية عليها، وأعطينا مثالا عن تطوير سمعة المدينة بهذه الطريقة، وذكرنا بعض الخطوات العملية التي يمكن البدء بها لإجراء تطوير عملي على سمعة المدينة.
في الختام أود أن أؤكد لكم أن ما قلته ليس الطريقة الوحيدة للتطوير، بل هو مجرد رؤية لشخص واحد بين آلاف الرؤى المختلفة للمستقبل في المجتمع. يستطيع أي منكم أن يكون رؤيته الخاصة للتطوير، وربما نتعلم جميعا من بعضنا في هذا المجال.
لا أتوقع أن تحقق هذه المحاضرة نتيجة كبيرة أو مبهرة، ولكنني متأكد أن بعض الحضور متحمس لتطبيق أفكارها ليتأكد بنفسه من صحتها، أو ليتمكن من نفيها وإثبات خطئها، وسيسعدني كثيرا أن أسمع نقاشات وآراء من أناس حاولوا تطبيق هذه الأفكار بنفسهم، ووجدوا نتائج سلبية أو إيجابية، لنستفيد جميعا. وسأنتظر أن تأتيني مثل هذه النقاشات على بريدي الإلكتروني أو عبر موقعي الشخصي على الإنترنت.
الأيهم صالح
www.alayham.com
التعليقات
Re: استخدام التقانة لتطوير مدينة اللاذقية
Re: استخدام التقانة لتطوير مدينة اللاذقية
إضافة تعليق جديد