تحقق خدمة الإنترنت أرباحا خيالية للحكومة السورية، ويقدر السيد وزير المواصلات هذه الأرباح بمليون ليرة سورية يوميا. ورغم كل هذه الأرباح لم يلمس المواطن السوري أية محاولة حقيقية لتطوير البنية التحتية للإنترنت في سورية، إلا إذا اعتبرنا فك حجب بعض مواقع البريد الالكتروني، وحجب ميزة Real IP، تطورين كبيرين في الإنترنت السورية. بل إن السيد مدير مؤسسة الاتصالات يعتبر أن قلة عدد مستخدمي الإنترنت لا يعتبر مسؤولية مؤسسته بل مسؤولية المواطنين السوريين، ويعود برأيه لعدم استيعاب السوريين لفوائد الإنترنت وضعفهم باللغة الانكليزية، إضافة إلى أنهم لا يملكون حواسبا.
صممت خدمة الإنترنت في سورية منذ وقت طويل عندما كانت الحكومة السورية تركز على الأمن أكثر من تركيزها على الخدمة، ولذلك اعتبر النفاذ المفتوح إلى الإنترنت خطرا كبيرا، وتم تحديد النفاذ عبر وكيل "بروكسي" يحدد ما يمكن النفاذ إليه. وتقوم إعدادات الوكيل على اعتبار كل خدمات الإنترنت ممنوعة حتى يثبت العكس. ومن الاستثناءات القليلة حاليا خدمات الويب http والمحادثة النصية على موقعي ياهو و MSN.
هذا التصميم هو نفس التصميم الذي بدأ في المشروع التجريبي الأول، ويمكن القول أن الإنترنت السورية مازالت تعمل بنفس المنطق الذي بدأ تصميمها على أساسه في نهاية القرن الماضي.
بالمقابل، يستخدم أغلب مزودي خدمة الإنترنت في العالم نمطا مختلفا لتقديم الخدمة، يعتمد على إتاحة كل الخدمات على الشبكة لكل المشتركين، وذلك عبر إعطائهم عنوانا على الشبكة مثل أي مشترك آخر بها، والعمل على تمرير المعلومات المتراسلة منهم وإلى الشبكة بدون التدخل في ماهيتها.
يحقق كل من التصميمين فوائد ولكل منهما سلبيات. التصميم المعتمد في سورية يركز على حرمان المستخدمين من أغلب الخدمات، ولكنهم يقدم لهم مستوى عاليا من الأمن لأنهم غير مفتوحين على الشبكة العالمية. بالمقابل التصميم المفتوح يقدم للمشتركين كل أنواع الخدمات بدون تدخل، ولكنه بالمقابل يجعل المشترك مفتوحا على الشبكة ومعرضا لكل أنواع الأخطار التي تواجه أي مستخدم عليها، ولكي يضمن المستخدم العادي أمنه يحتاج لعدد من البرامج التي تتطلب خبرة تقنية في تنصيبها وإعداداتها. وإذا أخذنا بعين الاعتبار العدد الكبير من الثغرات الأمنية في نظم التشغيل والبرمجيات التي تطورها شركة مايكروسوفت، وهي الأكثر انتشارا في سورية، يمكننا أن نتوقع أن الوصول المفتوح إلى الإنترنت قد يشكل خطرا على السوريين إذا لم يقوموا بحماية حواسبهم بأفضل شكل.
كيف يتغير الوضع لو أن الحكومة السورية، ممثلة بوزارة التقانة التي تشرف على الشركة التي تحتكر تزويد الإنترنت للسوريين، تفكر في إتاحة الوصول المفتوح للإنترنت إلى السوريين مجانا، وتقديم الأمن والحماية على الشبكة كميزة مدفوعة، مثل أغلب مزودي خدمة الإنترنت في العالم.
لنفرض أن الحكومة السورية تقرر إتاحة جميع خدمات الإنترنت بلا استثناء للمواطنين السوريين، وتزويدهم بهذه الخدمة بنفس السعر (الغالي جدا) الذي تتقاضاه منهم حاليا، وبالمقابل تقدم ثلاث خدمات إضافية هي:
خدمة حماية البريد من الفيروسات بسعر 50 ليرة شهريا
خدمة تمييز البريد المزعج بسعر 50 ليرة شهريا
هذه الخدمات تقدم مأجورة من قبل عدد من مزودي الوصول للإنترنت في العالم.
تعتبر إتاحة كل خدمات الإنترنت ميزة مشجعة للاشتراك، وستؤدي بدون شك إلى تضاعف عدد المشتركين عدة مرات بسبب اعتماد الإنترنت وسيلة للتواصل، ويمكن أن نتوقع تضاعف أرباح المؤسسة من هذا إلى ثلاثة أو أربعة ملايين ليرة يوميا خلال عام واحد. ولكن حتى بدون حساب هذا التضاعف، وباعتماد الأرقام المعطاة حاليا تستطيع الحكومة السورية مضاعفة ربحها من الإنترنت بمجرد تغيير سياسة تقديم الخدمة. فالأمن على الإنترنت أحد الاعتبارات المهمة جدا للمستخدمين العاديين، وحصول حادثة اختراق واحدة عبر الشبكة قد تكلف الضحية خسارة كل المعلومات على الحاسب، إضافة لتكلفة إعادة تنصيب البرامج من جديد. هذه التكلفة تبلغ 300-500 ليرة سورية حسب أسعار السوق، ولذلك فالأسعار التي اقترحتها لخدمات الأمن والحماية أعلاه هي أسعار تنافسية بشكل كبير، ولا بد أن أغلب مستخدمي الإنترنت في سورية يفضلون دفع 200 ليرة لمؤسسة الاتصالات لتحميهم بدلا من المغامرة بتعطل حواسبهم أو بترك أنفسهم دون حماية والتعرض لاحتمال دفع 300 ليرة عدة مرات شهريا.
وإذا أخذنا أرقام المشتركين الحالية، يمكن أن نتوقع أن يشترك في خدمات الأمن والحماية أكثر من 75% من مشتركي الإنترنت في سورية، أي حوالي 120 ألف مشترك حاليا. هؤلاء الأشخاص يفترض أن يذهبوا إلى مزود الوصول للإنترنت ويقدموا طلب الاشتراك بخدمة الأمن من تلقاء نفسهم. وبحساب بسيط نجد أن أرباح المؤسسة يمكن أن تزيد بمعدل 24 مليون ليرة شهريا. أي حوالي 800 ألف ليرة يوميا، و288 مليون ليرة سنويا.
بالنسبة للسوريين، سيحصلون على خدمة إنترنت متكاملة مثل أغلب خدمات الإنترنت في العالم، وسيصبح بإمكانهم الاختيار بين اعتماد أنظمة الأمن الخاصة بهم، والتي قد تكون مكلفة وتحتاج إعدادات متطورة، وترقية دائمة من قبل مختصين، وبين اعتماد خدمة الأمن التي تقدمها مؤسسة الاتصالات، وهي خدمة رخيصة وتقدم لهم حماية عن بعد. وأعتقد أن الكثيرين منهم سيرحبون بالاشتراك لدى المؤسسة، خصوصا إذا قدمت لهم الخدمة بشكل مناسب وبأسعار معقولة.
هذا الحل لن يسبب للمؤسسة خسارة سيطرتها على ما يستطيع الناس أن يتصفحوه، فبما أن كل بت يتم تبادله يمر عبر موجهاتها Routers فهي تستطيع ضبط إعدادات الموجهات لمنع الوصول إلى أي موقع، أو لحجب أية خدمة. كما أنها تستطيع مراقبة كل الحركة من وإلى سوريا عبر تجهيزات تسجيل الحركة Packet Logging التي أعتقد أنها متوفرة لديها حاليا.
وبالنسبة للمؤسسة، ستتمكن من الاستغناء عن مخدمات البروكسي نهائيا، وستقدم خدمة معيارية لمشتركيها، وستحقق أرباحا مضاعفة بتكلفة تشغيل أقل وبرضى أكبر من المشتركين.
المشكلة الأساسية أمام اعتماد مثل هذا الحل ليست في البنية التحتية للإنترنت السورية، فالأرباح الكبيرة المتوقعة تكفي لتبرير أي استثمار في تطوير البنية التحتية مهما كان. المشكلة الأساسية ليست في سيطرة العقلية الأمنية الموجهة ضد مصالح السوريين على هندسة خدمة الإنترنت، لأن من الممكن التعامل مع هذه العقلية وتلبية كل احتياجاتها مع تقديم أفضل الخدمات للمشتركين. أعتقد أن المشكلة الأساسية هي بالتحديد في العقلية الإدارية للأشخاص الذين يديرون الخدمة ويخططون لتطويرها، وفي رؤيتهم الإستراتيجية لموضوع نشر الإنترنت في سورية من أساسه. وعندما يدرك هؤلاء الأشخاص أنه لا توجد مؤسسات اتصالات في العالم تخسر من تطوير خدماتها، وأن الأرباح الخيالية لقطاع الاتصالات تأتي من التقانات الجديدة وليس من احتكار التقانات المتهالكة، يمكننا أن نتوقع بداية حل أزمتنا مع مؤسسة الاتصالات السورية، ويمكننا أن نتناسى أن المؤسسة يوما ما كانت العقبة الأساسية في وجه تطور قطاع الأعمال في سورية.
ويمكننا يومها أن نقول أن الإنترنت السورية لم تعد بالمقلوب.
صممت خدمة الإنترنت في سورية منذ وقت طويل عندما كانت الحكومة السورية تركز على الأمن أكثر من تركيزها على الخدمة، ولذلك اعتبر النفاذ المفتوح إلى الإنترنت خطرا كبيرا، وتم تحديد النفاذ عبر وكيل "بروكسي" يحدد ما يمكن النفاذ إليه. وتقوم إعدادات الوكيل على اعتبار كل خدمات الإنترنت ممنوعة حتى يثبت العكس. ومن الاستثناءات القليلة حاليا خدمات الويب http والمحادثة النصية على موقعي ياهو و MSN.
هذا التصميم هو نفس التصميم الذي بدأ في المشروع التجريبي الأول، ويمكن القول أن الإنترنت السورية مازالت تعمل بنفس المنطق الذي بدأ تصميمها على أساسه في نهاية القرن الماضي.
بالمقابل، يستخدم أغلب مزودي خدمة الإنترنت في العالم نمطا مختلفا لتقديم الخدمة، يعتمد على إتاحة كل الخدمات على الشبكة لكل المشتركين، وذلك عبر إعطائهم عنوانا على الشبكة مثل أي مشترك آخر بها، والعمل على تمرير المعلومات المتراسلة منهم وإلى الشبكة بدون التدخل في ماهيتها.
يحقق كل من التصميمين فوائد ولكل منهما سلبيات. التصميم المعتمد في سورية يركز على حرمان المستخدمين من أغلب الخدمات، ولكنهم يقدم لهم مستوى عاليا من الأمن لأنهم غير مفتوحين على الشبكة العالمية. بالمقابل التصميم المفتوح يقدم للمشتركين كل أنواع الخدمات بدون تدخل، ولكنه بالمقابل يجعل المشترك مفتوحا على الشبكة ومعرضا لكل أنواع الأخطار التي تواجه أي مستخدم عليها، ولكي يضمن المستخدم العادي أمنه يحتاج لعدد من البرامج التي تتطلب خبرة تقنية في تنصيبها وإعداداتها. وإذا أخذنا بعين الاعتبار العدد الكبير من الثغرات الأمنية في نظم التشغيل والبرمجيات التي تطورها شركة مايكروسوفت، وهي الأكثر انتشارا في سورية، يمكننا أن نتوقع أن الوصول المفتوح إلى الإنترنت قد يشكل خطرا على السوريين إذا لم يقوموا بحماية حواسبهم بأفضل شكل.
كيف يتغير الوضع لو أن الحكومة السورية، ممثلة بوزارة التقانة التي تشرف على الشركة التي تحتكر تزويد الإنترنت للسوريين، تفكر في إتاحة الوصول المفتوح للإنترنت إلى السوريين مجانا، وتقديم الأمن والحماية على الشبكة كميزة مدفوعة، مثل أغلب مزودي خدمة الإنترنت في العالم.
لنفرض أن الحكومة السورية تقرر إتاحة جميع خدمات الإنترنت بلا استثناء للمواطنين السوريين، وتزويدهم بهذه الخدمة بنفس السعر (الغالي جدا) الذي تتقاضاه منهم حاليا، وبالمقابل تقدم ثلاث خدمات إضافية هي:
جدار نار معير بعناية للحماية من الاختراق بسعر 100 ليرة شهريا
خدمة حماية البريد من الفيروسات بسعر 50 ليرة شهريا
خدمة تمييز البريد المزعج بسعر 50 ليرة شهريا
هذه الخدمات تقدم مأجورة من قبل عدد من مزودي الوصول للإنترنت في العالم.
تعتبر إتاحة كل خدمات الإنترنت ميزة مشجعة للاشتراك، وستؤدي بدون شك إلى تضاعف عدد المشتركين عدة مرات بسبب اعتماد الإنترنت وسيلة للتواصل، ويمكن أن نتوقع تضاعف أرباح المؤسسة من هذا إلى ثلاثة أو أربعة ملايين ليرة يوميا خلال عام واحد. ولكن حتى بدون حساب هذا التضاعف، وباعتماد الأرقام المعطاة حاليا تستطيع الحكومة السورية مضاعفة ربحها من الإنترنت بمجرد تغيير سياسة تقديم الخدمة. فالأمن على الإنترنت أحد الاعتبارات المهمة جدا للمستخدمين العاديين، وحصول حادثة اختراق واحدة عبر الشبكة قد تكلف الضحية خسارة كل المعلومات على الحاسب، إضافة لتكلفة إعادة تنصيب البرامج من جديد. هذه التكلفة تبلغ 300-500 ليرة سورية حسب أسعار السوق، ولذلك فالأسعار التي اقترحتها لخدمات الأمن والحماية أعلاه هي أسعار تنافسية بشكل كبير، ولا بد أن أغلب مستخدمي الإنترنت في سورية يفضلون دفع 200 ليرة لمؤسسة الاتصالات لتحميهم بدلا من المغامرة بتعطل حواسبهم أو بترك أنفسهم دون حماية والتعرض لاحتمال دفع 300 ليرة عدة مرات شهريا.
وإذا أخذنا أرقام المشتركين الحالية، يمكن أن نتوقع أن يشترك في خدمات الأمن والحماية أكثر من 75% من مشتركي الإنترنت في سورية، أي حوالي 120 ألف مشترك حاليا. هؤلاء الأشخاص يفترض أن يذهبوا إلى مزود الوصول للإنترنت ويقدموا طلب الاشتراك بخدمة الأمن من تلقاء نفسهم. وبحساب بسيط نجد أن أرباح المؤسسة يمكن أن تزيد بمعدل 24 مليون ليرة شهريا. أي حوالي 800 ألف ليرة يوميا، و288 مليون ليرة سنويا.
بالنسبة للسوريين، سيحصلون على خدمة إنترنت متكاملة مثل أغلب خدمات الإنترنت في العالم، وسيصبح بإمكانهم الاختيار بين اعتماد أنظمة الأمن الخاصة بهم، والتي قد تكون مكلفة وتحتاج إعدادات متطورة، وترقية دائمة من قبل مختصين، وبين اعتماد خدمة الأمن التي تقدمها مؤسسة الاتصالات، وهي خدمة رخيصة وتقدم لهم حماية عن بعد. وأعتقد أن الكثيرين منهم سيرحبون بالاشتراك لدى المؤسسة، خصوصا إذا قدمت لهم الخدمة بشكل مناسب وبأسعار معقولة.
هذا الحل لن يسبب للمؤسسة خسارة سيطرتها على ما يستطيع الناس أن يتصفحوه، فبما أن كل بت يتم تبادله يمر عبر موجهاتها Routers فهي تستطيع ضبط إعدادات الموجهات لمنع الوصول إلى أي موقع، أو لحجب أية خدمة. كما أنها تستطيع مراقبة كل الحركة من وإلى سوريا عبر تجهيزات تسجيل الحركة Packet Logging التي أعتقد أنها متوفرة لديها حاليا.
وبالنسبة للمؤسسة، ستتمكن من الاستغناء عن مخدمات البروكسي نهائيا، وستقدم خدمة معيارية لمشتركيها، وستحقق أرباحا مضاعفة بتكلفة تشغيل أقل وبرضى أكبر من المشتركين.
المشكلة الأساسية أمام اعتماد مثل هذا الحل ليست في البنية التحتية للإنترنت السورية، فالأرباح الكبيرة المتوقعة تكفي لتبرير أي استثمار في تطوير البنية التحتية مهما كان. المشكلة الأساسية ليست في سيطرة العقلية الأمنية الموجهة ضد مصالح السوريين على هندسة خدمة الإنترنت، لأن من الممكن التعامل مع هذه العقلية وتلبية كل احتياجاتها مع تقديم أفضل الخدمات للمشتركين. أعتقد أن المشكلة الأساسية هي بالتحديد في العقلية الإدارية للأشخاص الذين يديرون الخدمة ويخططون لتطويرها، وفي رؤيتهم الإستراتيجية لموضوع نشر الإنترنت في سورية من أساسه. وعندما يدرك هؤلاء الأشخاص أنه لا توجد مؤسسات اتصالات في العالم تخسر من تطوير خدماتها، وأن الأرباح الخيالية لقطاع الاتصالات تأتي من التقانات الجديدة وليس من احتكار التقانات المتهالكة، يمكننا أن نتوقع بداية حل أزمتنا مع مؤسسة الاتصالات السورية، ويمكننا أن نتناسى أن المؤسسة يوما ما كانت العقبة الأساسية في وجه تطور قطاع الأعمال في سورية.
ويمكننا يومها أن نقول أن الإنترنت السورية لم تعد بالمقلوب.
التعليقات
Re: الإنترنت السورية بالمقلوب
Re: الإنترنت السورية بالمقلوب
Re: الإنترنت السورية بالمقلوب
Re: الإنترنت السورية بالمقلوب
إضافة تعليق جديد